قلتُ ذات يوم:

أيا جارحاتُ الطيرِ طيري وحومي

وحليّ بترحالٍ وطيري ورفرفي


وكوني كطيرٍ للسلاجقِ طائر...

يُصفصفُ أصنافَ الخصيفِ ويرصُفِ

في فيلم حياة الماعز (2024) نجد أن هناك محاولة لإعادة إنتاج صورة نمطية مشوهة عن حال العمالة الوافدة في السعودية. من خلال تسليط الضوء على تجربة فردية لـ«نجيب» العامل الذي جاء من ولاية كيرلا الهندية، الذي خدع ابتداء من مكاتب الاستقدام في الهند، ومن ثم اختطافه من قبل رجل بدوي أجبره على رعي الغنم في الصحراء تحت ظروف قاسية دون أن يضمن حقوقه كعامل. القصة حدثت عام 1993، ونشرت روايتها في 2008، وأنتجت كفيلم في مارس 2024. أي إنه إذا سلمنا أن القصة حقيقية، فإنها حدثت قبل تقريباً 30 سنة؛ يعني «يا مدة الأولين» العبارة التي نقولها في مجالسنا، إذا أتانا أحد بقصة مضى عليها دهور وسنون.

فرغم التحولات القانونية والاجتماعية التي شهدتها المملكة، والتي شملت إصلاحات جذرية في حقوق العمال، والقوانين التي تحكم الكفالة وإنشاء المحاكم العمالية ضمن رؤية 2030، إلا أن الفيلم يتجاهل هذه الحقائق مستخدماً (سلطة الإعلام السينمائي) لتقديم صورة نمطية مشوهة لا تمت للواقع بصلة.

في كتابه «أركيولوجيا المعرفة» قدم الفرنسي ميشيل فوكو تحليلاً عميقاً للعلاقة بين السلطة والمعرفة، من خلال استكشاف كيفية تشكيل المعرفة وكيف أنها تسهم في تعزيز السلطة. فالسلطة عند فوكو ليست مجرد هيكل هرمي يفرض الأوامر من الأعلى إلى الأسفل، بل قد تكون أفقية تنتشر في جميع جوانب المجمتع. فالمعرفة، كما يصفها فوكو، ليست حيادية؛ فهي مرتبطة بشكل وثيق بالأنظمة السلطوية التي تتحكم في كيفية إنتاجها وتداولها وتوزيعها. يستخدم فوكو مصطلح «الخطاب» ليشير إلى السرديات التي تشكل ما يمكن التفكير فيه وقوله في أي مجتمع. هذه السرديات تشكل ما نعتبره «حقيقة» في سياقات محددة.

فإذا أمعنا النظر في فيلم «حياة الماعز» نجد أنه تجسيد واضح لكيفية استخدام الخطاب السينمائي كأداة لتثبيت الصورة النمطية السلبية وإعادة إنتاجها. فرغم أن صانعي الفيلم يدعون أنهم يقدمون عملاً فنياً يصور حالة إنسانية، إلا أنه في حقيقته لا يعكس الواقع الحقيقي. فتركيزه على قصة فردية- كما يزعمون أنها حدثت بالفعل- لا تعدو أن تكون إلا تضليلاً وبناء لتصورات مغلوطة عن صورة نمطية قديمة مشوهة للمملكة؛ متجاهلاً التقدم الحقيقي الذي حققته.

الفيلم يظهر كإعادة إنتاج معرفي عن المملكة لتشويه صورتها في الساحة الدولية، في وقت تحتاج فيه العلاقات الدولية إلى فهم أعمق لواقع الدول وتقدير الإصلاحات الإيجابية. في هذا السياق، يصبح «حياة الماعز» أداة لتحريف الحقائق وتعزيز الصور النمطية، ما يعكس رغبة في الحفاظ على الخطاب القديم. إذ إن «حياة الماعز» لا يعدو أن يكون إلا تلاعباً بالخطاب من خلال استخدام سلطة الإعلام السينمائي. إذ إن الواقع السعودي لا يمكن اختزاله في قصة فردية.