كثرت في الآونة الأخيرة لقاءات ومقابلات في البودكاسات وبقية وسائل التواصل الاجتماعي عن سرعة الثراء وتشجيع الدخول إلى السوق والتجارة، وعرض قصص النجاح والأرقام العالية التي تم الحصول عليها، ما جعل الآخرين مهووسين بالدخول إلى عالم الأعمال. لست ضد هذا الطرح لكن في المقابل لا تعرض أسباب وقصص الفشل لكثير من الشركات والتحديات وتقلبات السوق، التي قد تعصف برواد الأعمال وتحطم أحلامهم التي اتبعوها بسبب متابعة هذه القصص، التي تجعلهم يقدمون دون معرفة تامة، وبالتالي نجد أن الأشخاص الذين يدخلون السوق يقعون في الأخطاء نفسها التي وقع فيها من سبقهم! لأن من يعرض قصص النجاح يصور المسألة بأنها عبارة عن سجادة حمراء مليئة بالأضواء والشهرة والثراء، وما تحتاجه فقط لتصبح كذلك هو أن تكون لديك قناعة وأفكار ومغامرة وسوف تحقق النجاح. وهذا الطرح يعتبر سطحيا وغير واقعي للأشخاص الذين يعرفون السوق جيدًا، ومتمرسون فيه بشكل عميق. ولعلي هنا أطرح بعض الأعراض التي قد تكون في عالم الأسواق والأعمال، ويجب التوعية لها خاصة لرواد الأعمال والذين يملكون روح المغامرة ولكن لا يملكون أي خبرة في معرفة السوق، أو حتى معرفة تقلباتها أو التحديات التي قد تواجههم. فنقول كما قال أبو نواس (حَفِظتَ شَيئًا وَغابَت عَنكَ أَشياءُ)! فمن ضمن الأسباب التي تلازم رواد الأعمال في مشاريعهم ونجاحها، (ضعف التمويل والسيولة) فقد تكون الفكرة رائدة وثرية ولكن لا يوجد احتضان لها أو تمويل، أو صعوبة وصول رائد الأعمال إلى المنصات التي توفر هذه السيولة، أو قد تكون الشروط صعبة جدا لشخص يريد أن يبدأ المشروع، أو قد تكون منصات التمويل مجحفة في حقه.

أيضا وجود الضوابط والقيود التنظيمية قد تكون غير مرنة، ما يحد من قدرة رواد الأعمال على المناورة والتكيف مع السوق. أيضًا من الأسباب، المنافسة الشديدة فبعض القطاعات قد تخرج رواد الأعمال من السوق بسب السيولة الكبيرة لديها، والتحكم في الأسعار، ونسبة هامش الربح، ما يؤثر في رائد الأعمال ودخول السوق، وأن يكون لديه طول النفس للصبر على تقلبات الأسعار. كذلك نجد أن أي رائد أعمال يحتاج إلى كفاءات وخبرات تسهم معه في بناء المنظومة الخاصة به، ولكن مشكلة التوظيف والأجور المرتفعة تعيق ذلك.

هذه بعض أسباب إغلاق كثير من الشركات وفشلها في الدخول للسوق، وقصص يجب الاستفادة منها وعرضها في البرامج الإعلامية والبرامج الحوارية على المنصات، وعرض هذه القصص كنوع من التوعية حتى لا نعيد أنفسنا ونكرر الأخطاء مع رواد الأعمال، ويقعون في مصيدة الوهم التجاري والثراء السريع.


تسليط الضوء على هذه المشاكل والتحديات كفيل بأن يخرج لنا حلولا عملية مبنية على واقع حقيقي لتجنب التعثرات والإخفاقات، وأن تجعل الخبراء يشخصون مثل هذه التحديات ويقدمون الحلول لتحسين القرارات، بحيث تكون أكثر حكمة. والنظر إلى الفشل كفرصة للنمو والتطوير بدلًا من المواقف السلبية حولها، والعمل على تفعيل فرصة تقييم المخاطر كنوع من الإستراتيجيات التي لا بد أن تكون حاضرة في عقلية رواد الأعمال.