في ليلة غارقة تحت سماء ممطرة، جلس أبو ناصر أمام مكتبه الصغير في قريته الجميلة، يتأمل أوراقه المبعثرة. كان يشعر بضرورة كتابة شيء يعبر عن مشاعره، عن مدينته التي غمرتها الأمطار البارحة. بيد أن الكلمات كانت تهرب منه كما تهرب اللحظات الثمينة. ومابين الطقس الخارجي للجو ولحظات المنولوج الداخلي ومسارقة العمل أو مطالب الحياة ، أسرع في اقتناص تلك الفترات ..

أمسك قلمه وبدأ يكتب: "ما يخرج من القلب يصل إلى القلب”. كان يعرف أن كتاباته قد لا تحظى بالدعاية أو الانتشار، ولكن هذا لم يكن يهمه. كان يكتب لمجرد الكتابة، ليفرغ ما بداخله من مشاعر وهموم.

توقف للحظة، متسائلاً عما سيحدث لو قرأ مقاله أحد عمالقة الصحافة. هل سينتشر مقاله أم سيظل مهمشاً بسبب بعض الأخطاء اللغوية؟ ولكن كان يعرف أن التدقيق اللغوي هو ميزة الصحافة.،وأن الأمور تشبه التصاعد الدرامي بين المسودة الأولى للكتابة و ولادة الفكرة والورقة الأخيرة ومايحدث بينهما من حذف وإضافة وتعديل حتى تتلاشى العتبة المختلة من الأفق ويمتد بساط النور في النهاية. في هذه الاثناء كان الجو عاصفاً والأرض غارقة. تعاظم الوادي وكسر الجسر، مشهد نادر في مدينته. خرج أبو ناصر إلى شاطئ الوادي، حيث كان الجمع يحتفل بالمطر. رأى صديقه على الضفة الأخرى من الوادي في المدينة المجاورة ..


نادى أبو ناصر : "يا صديقي، اسمر هذه الليلة وحدك في المقهى العتيق.. فبيننا نهر الغرق ووادي الأسلاك الشائكة. والجسور المغلقة..وإن لم تكن محتلا صهيونيا وإن لم أكن بطلاً فلسطينياً.”ابتسم صديقه محمد وأجابه بسرعة بدهية: "يا أبا ناصر ، الكتابة هي نجاتك. استمر في كتابة ما تشعر به، فهذا هو السبيل للوصول إلينا و إلى القلوب؛ المهم أن تكتب بصدق وإحساس " وبإذن الله سنقرأ لك نص عابر القارات يسبق رواية الخبز الحافي ورواية ترمي بشرر ..".