وعلى عكس ما توقع هؤلاء امتد عرض الفيلم لأسابيع طويلة، وحصل على الجائزة الأولى في مهرجان دمشق السينمائي، كما حصل بطله محمود عبدالعزيز على جائزة التمثيل الأولى. ووراء نجاح «الكيت كات» عمل دؤوب، فكاتبه قصاص قليل الإنتاج، يصبر على عمله ولا يبدد موهبته بالسعي للانتشار بتكرار ما يقول، وكاتب السيناريو والمخرج من النوع الموسوس الذي يأخذ عمله مأخذ الجد، لذلك ظل ست سنوات في إعداده.
وبدلا من الحدوتة التقليدية، اعتمد الفيلم محورا من المعتقد الشعبي الضارب الجذور في النفس المصرية، ليقدم تنويعات إنسانية مختلفة، لتلك القدرة المصرية التاريخية، على تحدي العجز، والانتصار عليه بالإرادة الإنسانية التي لا تعرف المستحيل ولا تنحني أمامه، وتنجح رغم نقص إمكانياتها، والعجز في حواسها في هزيمة الشر، كامل الحواس ووافر القدرة والفتوة. وهذا المحور هو الذي جعل ثلاثية الأيام التي روى فيها طه حسين سيرته الذاتية أكثر أعماله شعبية، وأعمقها تأثيرا في الناس، وأحاط شخصيته بتلك الهالة التي لا تتبدد.
ونجاح الكيت كات الفني والجماهيري دليل على أن الفن الباقي هو الذي يلمس الوتر الحساس في المجتمع الذي يعبر عنه، فإيمان المصريين ببركة العجز قديم، منذ قادهم في حقب ما قبل التاريخ إلى تحدي المستنقعات، وشق مجرى النيل، وتطويعه وصنع حضارة على ضفتيه، جعلت «توينبي» يحكم أن مصر هي هبة المصريين على عكس ما قاله هيرودوت. وهذا النجاح دليل على أن بركة العجز أو بمعنى أدق بركة تحدي العجز - لا تزال قادرة على صنع المستحيل، بما في ذلك الفن الجميل والجماهيري معا، فمخرجه ومؤلفه يخلوان من كل عوامل النجاح في ظل القيم السائدة ورصيدهما من البهلوانية والقدرة على نسج شبكة العلاقات العامة صفر. وقد نجحا رغم العجز الكلي في قدرتهما على مسك العصا من المنتصف واللعب على كل الحبال. نجحا ببركة العجز.
1991*
* صحفي ومؤرخ مصري «1939ــ2017».