تعد التكنولوجيا الحيوية من أهم الأدوات الدقيقة التي يمكن استخدامها لتحقيق التنمية الوطنية ورفاهية المجتمع

في عام 2023، تم تقدير حجم سوق التكنولوجيا الحيوية العالمي بحوالي 1.38 إلى 1.55 تريليون دولار أمريكي. هذا القطاع يشهد نمواً ملحوظاً ومن المتوقع أن يصل إلى 4.25 تريليونات دولار أمريكي بحلول عام 2033. يُعزى هذا النمو إلى الابتكارات المستمرة في مجالات مثل الأدوية الحيوية، والعلاجات الجينية، والتكنولوجيا الحيوية الزراعية.

وحتى في تقديرات أخرى أكثر تحفظا من المتوقع أن يسجل سوق التكنولوجيا الحيوية أعلى معدل نمو سنوي مركب بنسبة 14% بين عامي 2023 و2032، مما سيؤدي إلى وصول قيمته إلى 3.67 تريليونات دولار أمريكي بحلول عام 2032. هذا النمو يعكس الطلب المتزايد على الحلول الطبية المتقدمة والتقنيات الزراعية المحسنة التي تقدمها التكنولوجيا الحيوية.


في الولايات المتحدة، وحدها، قُدِّرت قيمة سوق التكنولوجيا الحيوية بنحو 552.40 مليار دولار في عام 2023. ووفقاً لمصادر مختلفة، من المتوقع أن ينمو السوق بمعدل نمو سنوي مركب يتراوح بين 12.4% و12.5% من عام 2024 إلى عام 2033. هذا النمو سيؤدي إلى وصول قيمة السوق إلى ما بين 1250 مليار دولار و1794.11 مليار دولار بحلول عام 2030 و2033.

تُظهر هذه الأرقام أن قطاع التكنولوجيا الحيوية ليس فقط محركاً رئيسياً للابتكار والتقدم العلمي، ولكنه أيضاً يمثل فرصة اقتصادية هائلة على مستوى العالم وفي الولايات المتحدة بشكل خاص، ونحن في السعودية في هذا العالم كدولة مؤثرة نأمل بأن نكون جزءاً فعالاً من هذه الثورة التكنولوجية، وفي المملكة في السعودية، تهدف الاستراتيجية الوطنية للتكنولوجيا الحيوية إلى جعل السعودية مركزاً إقليمياً وعالمياً للتكنولوجيا الحيوية بحلول 2040، مع مساهمة تزيد على 34.6 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بحلول عام 2040، وخلق 11 ألف فرصة عمل عالية الجودة.

اما مؤشر المملكة ومقارنتها ببقية الدول في التقنية الحيوية، 27/100 في مؤشر الابتكار في التكنولوجيا الحيوية، مما يضعها في المرتبة 40 من بين 54 دولة تمت دراستهم، نحن نتكلم عن سوق بحوالي 4 تريليونات دولار خلال سنوات قليلة، لكن لا نزال في البداية ولم نجد ولم نصل للمركز المأمول الذي نستحقه رغم وجود الإمكانات لكن الرؤية انتبهت لذلك وأطلقت الاستراتيجية الوطنية.

سأذكر نقطة مهمة وسأعيدها لاحقاً، قطاع التكنولوجيا الحيوية من أعقد القطاعات المتقدمة ويحتاج تآزر جميع القطاعات وبشكل متكامل ومتعاون لما فيه من تعقيد، وأيضاً وجود عناصر كثيرة متصلة ببعضها كأنها عقد فإذا انفصل أي عنصر انتثر العقد وتأثر القطاع كاملاً!

ولذلك أي خطة تهدف إلى تعزيز التكنولوجيا الحيوية تحتاج إلى تعزيز وتقوية التعاون الكلي والبحث والابتكار في مجالات التكنولوجيا الحيوية، وتطوير البنية التحتية اللازمة لدعم التصنيع الحيوي، وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص. كما تعزز إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في المنتجات الحيوية الأساسية وتعزيز التعليم والتدريب في مجالات التكنولوجيا الحيوية. وقطاع التكنولوجيا الحيوية يتكون من عدة عناصر حيوية مهمة، من أهمها تحليل السوق المحلي والعالمي من خلال نظرة عامة على حالة صناعة التكنولوجيا الحيوية الحالية، بما في ذلك الاتجاهات والتوقعات المستقبلية للنمو. ولذلك يجب تحديد السوق المستهدف من خلال تحديد العملاء الرئيسيين واحتياجاتهم، إضافة إلى تقييم المنافسين الرئيسيين خارجياً ونقاط قوتهم وضعفهم.

ويشمل أيضاً، تطوير المنتجات تحديد المنتجات الحيوية التي سيتم تطويرها مثل الأجسام المضادة وحيدة النسيلة، البروتينات المؤتلفة، العلاجات الجينية، الفحوصات التشخيصية، والمنتجات الزراعية الحيوية. ويتم وضع استراتيجية البحث والتطوير وتحديد المراحل الزمنية اللازمة لذلك، أما من ناحية الامتثال التنظيمي الامتثال للأنظمة والمعايير ذات الصلة، بما في ذلك التخطيط للتجارب السريرية إذا لزم الأمر، وتحديد المراحل والجداول الزمنية.

ويحتاج القطاع لوضع الخطة المالية وتحديد التمويل اللازم لبدء وتنمية الأعمال، وتقديم توقعات للإيرادات والنفقات، أما من أهم النقاط الأساسية فهي إدارة سلسلة التوريد تأمين مصادر موثوقة للمواد الخام، والتخطيط لعمليات التصنيع بما في ذلك الموقع والقدرة، وتنفيذ إجراءات صارمة لمراقبة الجودة لضمان سلامة وفعالية المنتجات والتركيز على التخطيط للوجستيات الباردة التي تتطلبها العديد من المنتجات الحيوية، وإنشاء حلول تخزين تلبي المعايير التنظيمية، والتخطيط لطرق نقل فعالة وموثوقة. وأيضاً إدارة المخاطر تطوير استراتيجيات لتخفيف المخاطر مثل اضطرابات سلسلة التوريد، وضمان امتثال جميع العمليات اللوجستية للمتطلبات التنظيمية.

وكمثال للتوضيح لمنتجات التقنية الحيوية التي تشمل المنتجات الحيوية كأمثلة الوقود الحيوي، منتجات الألبان المخمرة، إنزيمات المنظفات، المحاصيل المعدلة وراثياً، المعالجة الحيوية، المضادات الحيوية، العلاجات الجينية والخلوية، منتجات المخابز المخمرة بالخميرة، الحليب الخالي من اللاكتوز، إنتاج الكحول، منتجات العناية بالبشرة، تصنيع الأصباغ الطبيعية، صناعة الورق الحيوي، وإنتاج اللقاحات. بالمختصر التقنية الحيوية تدخل في كل الصناعات الحديثة تقريباً.

ولنجاح بناء صناعة التقنية الحيوية في المملكة، يجب أن يكون هناك تعاون فعال بين جميع الجهات المعنية. لا ينبغي لأي جهة أن تعتقد أنها المسؤولة الأكبر عن نجاح هذا المجال، بل هو جهد جماعي يتطلب تعاوناً كاملاً كأساس.

في الصناعات الأخرى، قد يكون فقط التنسيق بين الجهات كافياً، ولكن في مجال التقنية الحيوية، نحن نتحدث عن تعاون شامل دون أي تحفظات. إنشاء لجنة أو لجان للتنسيق قد لا يكون كافياً؛ يجب أن تؤمن كل جهة متعلقة بالتقنية الحيوية بأن الجهات الأخرى لها نفس المجهود والنفوذ في هذه الصناعة.

على سبيل المثال، في صناعة أحد الأدوية الحيوية أو الجينية، رغم تعقيدها، فإن خطوة بسيطة أو نقص في جودة منتج خاماً بسيطاً واحداً قد يؤدي إلى خسارة مئات الآلاف من الدولارات ورمي كامل المنتج في الزبالة بسبب خطأ بسيط من إحدى الجهات.

نعمل في هذا المجال ما يقرب من عقدين من الزمن، وأكثر الأخطاء شيوعاً التي لاحظناها هي أن البعض يستخف بتعقيد وعملية إنتاج التقنية الحيوية، ويعتقد أنها مثل إنشاء مستشفى أو عيادة أو مصنع أدوية تقليدي. للأسف، هذا اعتقاد خطأ، فالطب مجال مختلف والتقنية الحيوية مجال مختلف كلياً وله لغته الخاصة وقوانينه.

هذا المجال يحتاج إلى روح الإبداع والتطوير والتفكير خارج الصندوق. نصيحتنا هي أن أي شخص تقليدي أو بيروقراطي لا يدخل هذا المجال، لأن روح وتطور هذا المجال يعتمدان على التغيير والإبداع والتفكير بطريقة مختلفة.

الخطة الوطنية لتطوير صناعة التكنولوجيا الحيوية خطوة جبارة في بداية الطريق ونشجع تعاوناً وثيقاً بين الحكومة والقطاع الخاص، إضافة إلى استثمارات كبيرة في البحث والتطوير والبنية التحتية من خلال تنفيذ هذه الخطة، ويمكن تحقيق تقدم كبير في المملكة في مجالات الصحة والزراعة والطاقة، مما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة والرفاهية للمجتمع السعودي.