تحولت عمليات «ترقيع» الشوارع، وهي الإجراءات التي تستخدم لمعالجة تشققات الطرق وترميم حفرها، إلى ما يشبه المصائد التي توقع بالسيارات نتيجة الارتفاعات والهبوط المباغت في مواقعها وعدم اتساقها مع المستوى العام لبقية الشارع، مما يسبب أضرارا كثيرة ليس فقط للسيارات وحدها، بل وحتى لراكبيها، وعلى الأخص النساء الحوامل، ومصابي الانزلاقات الغضروفية، أو المصابين بكسور عظمية جديدة.

ويجزم مختصون أن سوء «الترقيع» وعلى الأخص في الشوارع والطرق الداخلية للمدن، يعود إلى غياب التخصص عمن يتولون عمليات الترقيع، وتدني مستوى المواد المستخدمة، ناهيك عن غياب الرقابة.

تكلفة مضاعفة


يشدد الخبير في الأعمال الأسفلتية، الدكتور عبدالرحمن الفهيد لـ«الوطن» على أن الحالة الممتازة للطرق تعد من وسائل ازدهار الدول، ولذا لا بد من الاهتمام بالمتابعة الدورية السنوية للطرق والشوارع لاكتشاف عيوبها وصيانتها في مراحلها الأولية، خصوصا أن إهمال متابعة وصيانة الطرق يؤدي إلى زيادة تكلفة الصيانة إلى 4 أضعاف مقارنة بالصيانة الدورية.

التخدد وتطاير البحص

بيّن الفهيد أن أكثر عيوب الطرق انتشارًا هو «التخدد» و«التشققات» و«تطاير البحص» وهي عيوب تؤثر على سلامة الطريق وتهدد مستخدميه بالخطر.

والتخدد هو أحد العيوب المنتشرة في الطرق السريعة بسبب أحمال الشاحنات، فعند هطول الأمطار تتجمع المياه في التخددات، مما يجعل الاحتكاك بين إطارات المركبة والطريق الأسفلتي قليلا، وقد يؤدي إلى انزلاق المركبة والتسبب بالحوادث.

أما التشققات فتحدث بسبب أحمال المركبات المتكررة، ومع مرور الزمن تشكل التشققات شبكة على سطح الطريق، مما ينتج عن ذلك تطاير جزء من الطبقة الأسفلتية، التي تكون حفرًا في الطريق.

أما تطاير الحصى فيحدث عند زيادة احتكاك حركة السيارات بالطريق، إذ ربما تزيل طبقة الأسفلت الأسود من البحص أو عندما تتجمع المياه على الطريق حيث تعمل على فصل طبقة الأسفلت الأسود عن البحص فيتطاير البحص ويسبب تآكلا في الطريق ما يحول دون توفر السلامة أثناء القيادة.

الانبعاجات

أكد الفهيد أن «الترقيع» يعد من العلاجات المنتشرة لحفر الطريق التي حدثت بسبب عيوب الطرق، أو بسبب عملية حفر جزئي للطرق لتمديد القنوات تحت سطح الأرض، وإذا لم تتم عملية الترقيع بالطريقة الصحيحة فإنها تسبب الانبعاجات، أو تسبب تسرب المياه إلى طبقة الأساس، ما يحدث ضررا كبيرا ربما يؤدي إلى إتلاف الطريق وإعادة بنائه مرة أخرى.

وأضاف «هناك نوعان للترقيع، هما: الترقيع السطحي والترقيع العميق، ويستخدم الترقيع السطحي، إذا كان هناك تدهور في سطح الطبقة الأسفلتية فقط مع كون طبقة الأساس بحالة ممتازة».

وتابع «يجب أن يراعى في الترقيع أن يتم على عدة مراحل، أولها الترقيع السطحي بقص الطبقة الأسفلتية على شكل مستطيل بزيادة 15 سم في كل جانب لمنطقة الترقيع، وتنظيف طبقة الأساس من الغبار والأوساخ، ورش طبقة الأسفلت السائل، ووضع طبقة الخلطة الأسفلتية، ثم فردها ودحلها بنسبة 95%، وتكون على نفس مستوى سطح الأسفلت القديم الذي حوله، وأما الترقيع العميق فيتبع نفس مراحل الترقيع السطحي لكن بزيادة إزالة جزء من طبقة الأساس حتى الوصول لطبقة ذات تحمل جيد، وتنظيفها وتعويض جزء طبقة الأساس المزالة بطبقة جديدة ودحلها».

العدو الأول

يجزم الخبير في الأعمال الأسفلتية، المهندس خالد البراهيم، أن العدو الأول للأسفلت في الشوارع والطرقات هو مياه الأمطار، وقال «تراعي وزارة النقل المعنية والمسؤولة على الطرقات خارج المدن هذه الحقيقة، ولذا فإنها تراعي ألا تتجمع المياه عند هطول الأمطار على الطريق، وذلك عبر مراعاة التصاميم المناسبة لمنسوب الطريق، وضمان تسرّب المياه إلى خارج الأسفلت من جانبي الطريق».

وأوضح «هناك طرق تتبع لوزارة النقل، وأخرى تتبع لوزارة البلديات والإسكان، وغالبا ما تتخذ وزارة النقل منهجًا وجودة عاليتين في المواصفات والتطبيق، وتستفيد شركات وطنية كبرى من تجربة وزارة النقل في الأعمال الأسفلتية».

وشدد على ضرورة «التخصص» في الأعمال الأسفلتية للخروج بجودة عالية، والاهتمام بـ«مناسيب» للطرق والشوارع، بتصنيفات مدروسة ودقيقة، ومراعاة مشاريع تصريف الأمطار والسيول.

الصرف الصحي

أشار البراهيم إلى أن من أسباب اللجوء إلى ترقيع الشوارع، سوء الخلطة الأسفلتية، وتدني المراقبة الإشرافية على أعمال المشروع منذ بدايته، وكذلك أن تكون درجة حرارة الأسفلت عند التنفيذ بخلاف الدرجة المطلوبة، وهناك مواقع أرضية تتطلب مواصفات أسفلتية خاصة يجب مراعاتها عند التنفيذ.

كما أوضح أن من أسباب اللجوء إلى الترقيع الاستعجال في أعمال التنفيذ، وتدني مستوى جودة طبقة الأساس، والتقصير في الأداء، مؤكدًا على ضرورة توفر صيانة «وقائية» دورية ومستمرة للطرق، وقال «تتوفر حاليا مركبات مجهزة بتقنيات متطورة ومتقدمة لإجراء دراسات دقيقة لجودة الأسفلت بين كل فترة وأخرى».

هبوط وانهيار

أوضح مهندسون متخصصون أن الأضرار في الطرقات والشوارع لا تكون مرئية من الأعلى على الدوام، وأشاروا إلى أن ترك الطريق الأسفلتي عرضة لتغلغل المياه لفترة طويلة يؤدي إلى أن المياه تعمل على خلخلة الأحجار القابلة للذوبان مثل الحجر الجيري وتسربها في جوف الأرض، كما أن تسرب المياه يعمل على إزالة التربة فيحل مكانها الهواء، وهذا يؤدي إلى وجود فجوة هوائية أو كهف مما يجعل الطريق الأسفلتي بلا قاعدة يستند عليها، وهنا يحدث الهبوط أو الانهيار المفاجئ.

وبينوا أن هذه تعد أضرارًا خطيرة قد يكون إصلاحها مكلفًا، مشيرين إلى أن هناك بعض العلامات التي يمكن الاستدلال بها للتنبؤ بوجود الفجوة الهوائية أو الكهف تحت سطح الأرض وبالتالي معالجتها قبل حدوث الانهيار المفاجئ، ومنها وجود هبوط جزئي على شكل دائرة مقعرة، أو تشققات كثيرة جنبًا إلى جنب في الطريق الأسفلتي.

وأكدوا على أن من المستحيل عمليًا منع الطريق من ملامسة الماء بسبب العوامل الجوية، ومنها مياه الأمطار، لكن يمكن تقليل الآثار الضارة للمياه على الهيكل الإنشائي للطريق، إذا تم الأخذ في الاعتبار تصميم الطرق بمعايير هندسية لتفادي أضرارها.

مشكلة عالمية

لا تقتصر مشكلة حفريات الطرق والشوارع وتشققاتها على طرق وشوارع المملكة، إذ إنها مشكلة عالمية شائعة، ولعل الأكثر شيوعا أنه في معظم البلدان ما إن يتم تغطية هذه الحفر حتى تعود إلى الظهور مجددا، وفي نفس المكان بعد مدة قد تقصر قليلا أو تطول بعض الشيء.

ويعكف علماء من ألمانيا وهولندا والصين على تطوير حل لمواد ترقيع يشيرون إلى أنها قد تجعل من حفر الشارع ذكرى من الماضي، حيث تقوم هذه المواد بتغطية الحفر بشكل تلقائي عندما تظهر.

ويعمل العلماء في مكتب بمدينة كولونيا الألمانية، على إيجاد مواد جديدة لرصف الشوارع تكون أكثر أمانا في رصف وصيانة الطرق، حيث يعملون على تطوير مواد رصف قادرة على إصلاح نفسها بنفسها باستخدام ألياف الصلب عندما تظهر حفرة ما.

ويؤكد هؤلاء أن الطرق تتعرض لتحديات كثيرة منها ارتفاع معدلات الاستخدام اليومي، والتغير المناخي، وأن من الطرق التي يستخدمونها لمعالجة الحفر والتشققات تسخين الجزيئات المعدنية الموجودة في مادة البتومين المستخدمة في تغطية سطح الطريق المرصوف، بحيث ترفع الحرارة الجزيئات لتتقارب وتلتحم مع بعضها حتى تختفي التشققات التي ظهرت في الطريق.

أسباب لحفر وتشققات الشوارع والطرق

ـ ارتفاع مستوى الاستخدام اليومي

ـ التبدلات الشديدة في درجة الحرارة والتغير المناخي

ـ تلف طبقة الخرسانة الأسفلتية نتيجة لتلف الطبقة السفلية بسبب الأحمال المرورية المتكررة

ـ عدم مراعاة الميول عند التصميم والإنشاء

ـ غياب التصريف الصحي السليم

ـ عدم ثبات حالة طبقة الأساس الأسفلتي أو طبقة تحت الأساس بسبب هبوط زائد للسطح

ـ ضعف طبقة الأساس الحجري مما جعلها غير قادرة على الهبوط الزائد الناتج من الأحمال المرورية

ـ تقادم المواد الأسفلتية بفعل الزمن

ـ عدم كفاية سماكة طبقات الرصف

ـ ضعف تصريف في طبقتي القاعدة وتحت الأساس

ـ سوء الخلطة الأسفلتية وتدني المراقبة الإشرافية على أعمال المشروع

ـ درجة حرارة الأسفلت عند التنفيذ بخلاف الدرجة المطلوبة.