ولكن نرى أن بعضًا من المؤسسات والهيئات التي تأخذ الطابع الغير التعليمي بدأت بطرح برامج دراسات عليا وبرامج تعليمية بالتعاون مع مؤسسات غير تعليمية أخرى، الذي قد يُشكَّل علامة استفهام في قدرة تلك البرامج على توفير جوانب تعليمية وأكاديمية وتدريبية كافية وبجودة عالية، وهو الذي تستطيع توفيره الجامعات والكليات لما تمتلكه من كوادر بشرية متخصصة في التعليم والتدريب، وهو إحدى مهامها الأساسية التي أُنشئت من أجلها.
الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، وهي الهيئة المرموقة وذات المسؤولية الحساسة في تصنيف التخصصات الصحية، وترخيص الممارسين الصحيين لمزاولة المهن الطبية في السعودية، وكذلك من ضمن المهام الحيوية المناطة بالهيئة هي توفير برامج تدريب طبية تدريبية مثل برامج الزمالات وغيرها، التي تكون مُوجَّهة للأطباء والمتخصصين الصحيين. وعلى مدى عقود نجحت الهيئة عالميًّا في هذا الدور الأساسي الذي أُنشئت من أجله، فهي ذات قيمة وطنية عظيمة.
وخلال السنوات الماضية، أنشأت الهيئة ذراعًا تدريبيًا لها وهو الأكاديمية الصحية، وطرحت الأكاديمية الكثير من البرامج التدريبية في تخصصات محددة مثل رعاية المرضى والتعقيم الطبي، وذلك بناءً على دراسة الاحتياج وسد نقص الكفاءات المؤهلة في سوق العمل الصحي.
والمقترح هنا، أن تكون الجامعات والكليات الحكومية والأهلية هي الحاضن الوحيد لهذه البرامج بالتعاون مع الأكاديمية، ومن غير المُوصى به أن تكون مطروحة في المؤسسات الصحية وغيرها، لأن هذه البرامج تعتمد على التعليم والتدريب معًا، الذي قد يكون هناك عجز في توفير المعرفة والمهارات الكافية في هذه البرامج، خاصة أنها مُوجَّهة لغير المتخصصين في المجالات الطبية مثل خريجي تخصصات الفيزياء والكيمياء.
كذلك برامج المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني عبر كلياتها التقنية هي برامج تُحاكي إلى حدٍّ بعيد برامج الجامعات مثل دبلوم الموارد البشرية وإدارة الأعمال والتقنية الكهربائية وغيرها، وهي نفسها الذي تطرحه الجامعات حاليًا بنظام التخرج المبكر على درجة الدبلوم، أو البرامج التي تقدمها الكليات التطبيقية المنتشرة في كل الجامعات الحكومية. ومنعًا للازدواجية، التوصية أن تقوم الكليات التقنية بعمل دراسة في نوعية البرامج، وأن تستهدف المستقبل عبر تخصصات تدريبية محددة ودقيقة لا تُحاكي برامج الجامعات على نحو مباشر. وبشكل مُشابه، المعاهد التدريبية الخاصة المرخصة من ذات المؤسسة تقدم برامج على هيئة دبلومات قد تكون غير مطلوبة في سوق عمل يتطور بوتيرة متسارعة، ولا تختلف عما تقدمه الكليات التقنية والجامعات الحكومية والأهلية. وعليه، يجب على المعاهد والمراكز التدريبية الخاصة التركيز على الدورات التدريبية التأهيلية والتطويرية قصيرة المدة التي تنمي المهارات الشخصية والمهنية والتقنية.
ومن جانبٍ آخر، ظهرت منذ مدة قريبة التنافسية بين الجامعات الحكومية والجامعات والكليات الأهلية في طرح برامج للدراسات العليا، حيث إن كثيرًا من المؤسسات الجامعية الأهلية بدأت بطرح برامج للدراسات العليا مستنسخة من الجامعات الحكومية أو بالتعاون بين القطاعين، ولا تمتلك تلك البرامج صفة الانتقائية والنوعية. ولعل من المقترح أن تقوم الجامعات والكليات الأهلية التي أصبحت أكثر نضوجًا بالتوسع في استحداث برامج دراسات عليا بعيدًا عن مظلة الجامعات الحكومية، لتتحقق التنافسية المنشودة في طرح برامج دراسات عليا نوعية وذات احتياج كبير في سوق العمل.
ولوزارة التعليم بالتعاون مع الوزارات والهيئات ذات الصلة دورًا بوضع معايير واضحة لاستحداث برامج الدراسات العليا في القطاع الجامعي الحكومي والأهلي وتفعيله بشكل تام، وأيضًا لوضع آلية للتعاون بين القطاعين بذات الشأن، وذلك بناءً على دراسة احتياج سوق العمل وتنمية القدرات البشرية للمجتمع؛ مما يُضفي طابعًا إيجابيًّا على الاقتصاد الوطني.
ختامًا، أصبح من الضروري تصميم ورسم خريطة للبرامج التعليمية الجامعية في السعودية بما لا يتعارض مع الإطار الوطني للمؤهلات واشتراطات التصنيف المهني من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، على أن تندرج تحت الجامعات والكليات الحكومية والأهلية مثل برامج الدبلوم وبرامج البكالوريوس وبرامج الدبلوم العالي والدراسات العليا (الأكاديمية والبحثية).
أما برامج التدريب البحْتة التي تخضع لمعايير ومتطلبات محددة في بيئة العمل بشكل مباشر مثل الزمالات الطبية، يجب أن تستمر تحت مظلة الهيئة السعودية للتخصصات الصحية والهيئات المختلفة مثل الهيئة السعودية للمراجعين والمحاسبين والهيئة السعودية للمهندسين وغيرهم، مع مراعاة التعاون مع الجامعات في حال أن هذه البرامج تتكوَّن من جوانب تعليمية ومعرفية، إضافة إلى الجوانب التدريبية.