كثيرًا ما شاركنا أكلنا وشربنا الراعي الهندي أو الباكستاني وغيرهما الركبة حذو الركبة، والأكف تصتك بالأكف في صحن الطعام الواحد، ناهيك عن زملائنا أو أصدقائنا أو جيراننا من هذه الجنسيات الطيبة. وكثيرًا ما يصطف «الملياردير» بجانب رعاة «منقيته» من الإبل في الصلاة، ويصلون على الرمال النظيفة النقية بعيدًا عن مراح الإبل وأعطانها، وكثيرًا ما رأينا بكاءً مريرًا لهؤلاء الرعاة حينما يدفع إلى أحدهم خبر وفاة كفيله.

إذن ما الذي اختلف في (THE GOAT LIFE)؟

لنبدأ القصة من أولها، في 2008 طبعت رواية «AadujeevithamK» باللغة المالايالامية التي تعني بالإنجليزية «GOAT DAYS»، والمالايالامية أو المليبارية لغة يتحدث بها أكثر من 35 مليون شخص، بوصفها إحدى اللغات الهندية المنتشرة في جنوب الهند (ولاية كيرلا)، وقد ترجمت الرواية إلى الإنجليزية في 2012، ثم ترجمها سهيل الوافي إلى العربية، ونشرتها دار «الوفاق» الكويتية في مارس 2014، ثم أعادت طباعتها في مارس 2015، ثم طبعتها مرة ثالثة في 2021.


الرواية في لغتها الأم طبعت 100 مرة حتى 2013، ولم أبحث عن عدد مرات طباعتها بعد ذلك التاريخ، التي قيل إنها تجاوزت 200 طبعة، ولا أعلم كم ستبلغ طبعاتها بعد «THE GOAT LIFE»؟

والرواية فازت بجائزة أكاديمية كيرالا الأدبية في 2009، ووصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة مان الأدبية الآسيوية في 2012، ووصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة DSC للأدب في جنوب آسيا في 2013، وفازت بجائزة أبوظبي ساكثي، كما أنها مدرجة منهج دراسي في جامعة كيرالا، وجامعة كاليكوت، وجامعة بهاراتيار، وجامعة بونديشيري، والصف العاشر لمناهج ولاية كيرالا الدراسية.

أما كاتب الرواية بنيامين وهو اسم مستعار لـ«بيني دانييل»، هندي الجنسية، فيزعم أن روايته واقعية، وأنه التقى بطلها (الحقيقي)، وأخذ القصة من فمه وكتبها، ويبدو أن دوره انتهى عندما باع حقوق تحويل روايته إلى فيلم سينمائي في 2009. ليبدأ دور مواطنه: Blessy أو بليسي إيب توماس الذي يعمل في مجال الإخراج والكتابة الدرامية، إذ عزم بليسي على إخراج رواية «Aadujeevitham» منذ أن قرأها في 2008، وبدأ مشروعه في العام التالي، حينما اشترى الحقوق من كاتبها وبدأ في كتابة سيناريو الفيلم، ولكنه تأخر في عملية الإنتاج بسبب عدم وجود التمويل الكافي، فأمضى سنوات في البحث عن منتج، حتى انضم إليه الأمريكيان جيمي جان لويس وستيفن آدمز منتجين مشاركين في سنة 2015، مما سمح للمشروع بالانطلاق، وبالفعل تم التصوير على مراحل بين مارس 2018 ويوليو 2022، وكانت مواقع التصوير في وادي رم في الأردن والصحراء الكبرى في الجزائر وولاية كيرالا في الهند، وتوقف العمل لفترة بسبب جائحة كورونا، ثم استؤنف بعد زوال الجائحة، وقد طُلب -بحسب بعض الأخبار- من السعودية والإمارات تصوير المشاهد على أراضيها، ولكن الطلب قوبل بالرفض.

ويعد فيلم «The Goat Life» حاليًا أحد أعلى الأفلام الهندية ربحًا لعام 2024، وعرض لأول مرة في دور العرض السينمائي في 28 مارس 2024، ثم عرض على «Netflix» في 19 يوليو 2024، وفاز الفيلم بجوائز ولاية كيرالا السينمائية عن: أفضل مخرج، وأفضل سيناريو، وأفضل ممثل، وأفضل فيلم يتمتع بجاذبية شعبية وقيمة جمالية، وأفضل تصوير سينمائي، وأفضل موسيقى.

بعد هذا العرض المعلوماتي حول الفيلم والرواية، أجد أن المشكلة في الظاهر هي مع المخرج Blessy الذي أصر من عام 2009، على إخراج فيلمه بسيناريو يسيء بعمق للسعودي ولمجتمعه ووطنه ودولته، وإن كنت أجزم أن وراء الأكمة ما وراءها، وعلى الرغم من أن بداية الرواية- بحسب الترجمة العربية- مختلفة تمامًا، عما صوره الفيلم، فإني لا أعلم لماذا يصر مخرج متوسط المهنية، متواضع الموهبة- كما اتضح من مجريات الفيلم- على الإساءة لنا نحن السعوديين بهذه الدناءة؟

ولا أعلم على ما تؤول بشاعة التفاصيل (المقززة والمقرفة) الموجودة في سيناريو الفيلم ولم تكن في الرواية، وتفاصيل أخرى (مقززة ومقرفة كذلك) موجودة في الرواية لم يجرؤ الفيلم على تصويرها حدثت من قبل بطل القصة، إضافة إلى كثير من الأحداث غير المنطقية فيهما، والأشياء المناقضة لما عليه الحال على أرض الواقع، سواء على مستوى الحدث أم على مستوى المكان والزمان أعني ساعات الليل والنهار، إضافة إلى أنني عاجز عن افتراض حسن النية والطوية (ببعض العرب)، في ألا يكون لهم يد في هذا الفيلم، فهناك ثيمات في الفيلم لن يفهمها غير السعودي أو بعض الخليجيين، فالأبعاد الثقافية والإرث الممتد في تربية الإبل والماشية ورعايتها، لا يعرفها إلا أهل الإبل، والسعوديون فقط، فمثلًا: أهزوجة «يا كليب شب النار»، كيف لهندي استوائي من عمق كيرالا أن يعرفها؟ وقس على هذا عندما تبدأ حفلة العرس بأهازيج شمالية، ثم يتركز الصوت والصورة على صوت نجدي صرف «نحمد الله اللي عزنا في وطنا»، وكأنها محاكاة لفعل السعوديين اليوم في منصة «X» وفي مقالاتهم وكتاباتهم واحتفالاتهم، ومثلها الأصوات التي تزجر بها الإبل أو ترغب وغيرها، مما يدل على أن هناك يدا قادت صناع الفيلم إلى هذه المناطق الثقافية عمدًا، هي منا أو قريبًا منا.

والربط مع البعد الثقافي الهوياتي (الإبل والشعر النبطي والعرضة) الذي تضعه الجهات المعنية في السعودية وتبرزه كإرث وطني سعودي، والعبث به بهذا الشكل على رؤوس الأشهاد هو أمر خطر جدًا، ومؤثر على سمعة البلد، وصورتها الذهنية، ناهيك عن أن الفيلم والرواية قدما الثقافة السعودية والشعب السعودي بطريقة مشوهة، طريقة نزعت عنهم كل الصفات الإنسانية والحضارية، بل وأبعد من ذلك حينما صور الفيلم تواطؤ قسم الشرطة مع الكفلاء، في مشهد عرض الوافدين الهاربين، فيقوم الكفيل الذي يتعرف على مكفوله بضربه أمام أعين الأمن وفي مقره، وكأنها رسالة تقول إن كل ما في يحاول الفيلم إيصاله يتم تحت نظر الدولة ومعرفتها.

ثالثة الأثافي، كانت في الممثل العماني الذي لا يمثل إلا نفسه، والذي لم يكتفِ بالمشاركة في الإساءة إلى السعودية حكومة وشعبًا في الفيلم فحسب، بل ذهب في تصريحاته إلى تكرار أسطوانة «الذباب الإلكترونيّ»، التي نعرفها من (بعض العرب)، وصفًا للمغردين السعوديين المدافعين عن وطنهم أمام حقد الهندي Blessy.

أخيرًا، أكاد أجزم أن قصة الفيلم برمتها بدأت في 2017 أو في 2018 على أبعد الأحوال، وليس كما تروج الأخبار أنها بدأت 2009.