لا كلمات قادرة على إيفاء الجزيرة الرياضية حقها من الإشادة والمديح، لا من حيث مستوى النقل ولا الأستوديوهات التحليلية ولا ثقل ومكانة الضيوف.. منظومة إبداع متكاملة وماكينة احتراف هائلة تواجدت في قلب الحدث الأوروبي وأحاطت به. وأعتقد أن محب كرة القدم العربي مدين بالكثير للعقل الذي يدير هذا المشروع الهائل، وحتما تتذكر أجيال ما قبل الجزيرة الرياضية مستوى النقل وارتباكاته.. وثقافة الضيوف وأداء المحللين كانت اجتهادات حكومية وفق ما هو متاح، لكن ما صنعته الجزيرة الرياضية منذ يورو 2008 مختلف ومميز وبحجم الثقة والتحدي. واضح أن المسألة لا تهدف للتجارة ولا تسعى للربحية، بل هي جزء من إيمان عميق وثابت بأهمية الرياضة وحجم ارتباط الناس بها، بعيدا عن قيمة الاشتراكات وحصار عمليات القرصنة والإعلان في سعي محموم ومتصاعد للكمال التقني والإبداعي، ورفع لمستوى التحدي مع الذات قبل المنافسين، هذا إن كان ما زال هناك منافسون على الساحة.

اليوم تستحوذ القناة المتخصصة على كل المنافسات العالمية المؤثرة والجماهيرية، وتربط عيون الناس وقلوبهم قبل عقولهم، بمعزل عن مواقفهم من مظلتها الأوسع الجزيرة الإخبارية وتفسيراتهم حول أهدافها, شاهد محبو كرة القدم نجوما في عالم الكرة يحللون, حصريا مورينهو وفينغر وساكي وقبلهم زاغالو وبيكرمان وآخرون أساطير حقيقية في مجالهم، يصبون ثقافتهم وتجاربهم وذكرياتهم بأسعار رمزية للمتابع النهم في حصص تدريبية لفظية على الهواء مباشرة.

إبداعات بشرية وترسانة وعي تقدمها الجزيرة الرياضية التي قررت أن تكون النافذة العريضة لهذا الفن الإنساني النبيل الزاخر بكل ما هو خير، وأعني كرة القدم، التي تمنح الحماس وتشحن الناس بالألفة والفرح البريئين، وتصعد بهم فوق تلال الجهامة ومآسيهم التي يكابدونها في معاشهم اليومي، راحلة بعيدا عن رمادية المشهد السياسي ومماحكات الدبلوماسيين وتحريضيتهم ويوميات القتل التي تفيض بها الشاشات. فكل ما في كرة القدم جميل ونبيل وممتع وتنافسي، ضد المعقول والمسبق والمتوقع والإدراكي، تعود عبرها الإنسانية إلى صفائها الأول ويتساوى البشر إلا في خيالهم والأمل.