انفرد الأدب العالمي بروائعه الملحمية العظيمة والتي استمدها من التراث الفارسي والهندي واليوناني والآسيوي والأوروبي. كـ «الإلياذة» للشاعر هوميروس والتي تعد مع ملحمة «الأوديسة» آية من آيات الفن الشعري العالمي والتي يروي فيها الشاعر قصة حصار مدينة طروادة.

وملحمة «الماهابهارتا» والتي تدور أحداثها حول الحياة والموت والإنسان والمصير، وتعد أطول ملحمة شعرية إذ تتجاور أبياتها 74 ألف بيت.

وملحمة «الإينادة» للشاعر الروماني فرجيل والتي يصف فيها أحداث روما القديمة، وقد مكث في تأليفها 12 عاما وتوفي قبل أن يكملها.


وملحمة «الفردوس المفقود» للشاعر الإنجليزي جون مالتون والتي يدور موضوعها حول هبوط آدم من الجنة.

وملحمة «الكوميديا الإلهية» للشاعر الإيطالي دانتي.

الملاحم الأدبية القديمة كالإلياذة والأوديسة والإينادة والماها بهارتا، تعد من حيث بنائها الفني وروعة خيالها وعمق تصويرها أسمى ما عرفته الإنسانية من نتاج أدبي.. والتي أحالت الشعر إلى عائلة إنسانية واحدة زمانيًا ومكانيًا، ونظرت إلى العالم كمرسم فنان واخترعت عالمًا من الخيال والأسطورة والواقع حتى البائس - كما يقول الكاتب الأمريكي ديورانت - يستطيع أن يستمتع بروعتها وعذوبتها.

كانت تلك الملاحم الشعرية تراثًا إنسانيًا عظيمًا تفاعلت معه البشرية، في أزمنة مختلفة، ملاحم تمتعك بنظمها الفنية والفلسفية المتفردة، وتبسيطها للواقع الإنساني، وفي معاناتها يقول الفريد دي موسيه «إننا ننمو روحيًا عندما نعاني.. إن عظمة النفس من عظمة المعاناة»، فقد كانت تلك الملاحم الأدبية مستودعًا للتاريخ البشري.

عندما ننظر في تلك الملاحم ونسبر أغوارها نجد الواقع والخيال يتقاسمان الحب والحرب والخرافة والأسطورة والطقوس والوهم، في لوحات تأملية وفلسفية أسطورية ومسرحية عرفها التاريخ كأعظم مشهد تداخل فيه الخيال بالواقع، نقلت تقاليد العصور في أشكال شعرية متفردة، وارتقت بالشعر في أجواء مليئة بالرؤى والتألق والروعة.

كان الفن الملحمي على مر الأجيال الفنار الذي تتجه إليه الأنظار، وشاهدًا تاريخيًا على البسالة والبطولة والشجاعة والفروسية والميتافيزيقا.. كان لتلك الملاحم الشعرية حضور واحتفاء إنساني أبدي، أعطى أجواء إيحائية وتصويرية وإبداعية، وقدم تنويعًا فلسفيًا بالغ الخيال.. قامت تلك الملاحم على فكرة الإبداع الجماعي، وعلى أن الشعر يجب أن يخضع للتوليفة الجماعية، ويقطع الصلة بالموهبة الفردية، فالجماعية الخط الذي قام عليه منهج الإبداع الملحمي.

انتقلت تلك الملاحم من جيل إلى جيل ومن عصر إلى عصر، ومن نفس شاعرة إلى أخرى، إلى أن تكامل بناؤها كأعظم آية من آيات الفن الشعري. فالقارئ لتلك الملاحم يشعر بالتعاطف والتكامل مع الحضارات والالتفاف حول الأمكنة والأزمنة القديمة.

كانت أولى تلك الملاحم «الماها بهارتا» والتي هي في رأي ناقد هندي أعظم آية من آيات الفن الشعري التي أنتجتها قارة آسيا، واعتبرها «سير تشارلز اليت» أعظم وأروع من الإلياذة في بنائها النظمي والفني.

بدأت «الماها بهارتا» كقصيدة قصصية قصيرة في 500 سنة قبل الميلاد، ثم أخذت تضيف إلى بنائها الفني الملحمي قيمًا وحكايات وأساطير وتأملات ومقطوعات وإضافات جديدة على مر العصور.. وأدخلت في بنائها الشعري قصيدة «بها جافاد جيتا» وأجزاء من قصيدة «راما» حتى وصلت أبياتها إلى 107.000 من أبيات الشعر الثمانية المقاطع - أي ما يساوي الإلياذة والأوديسة مجتمعتين سبع مرات.

كتب الملحمة 100 شاعر وصاغها 1000 منشد، ثم جاء البراهمة فصبوا أفكارهم فيها.. «فالماها بهاراتا» مليئة بالخيالات، والتأملات، والأساطير، والحكايات الخيالية، والقصص الخرافية، وتراجم القديسين، وتشريعات مانو، ومبادئ اليوجا وتجارب النرفانا.

وتتداخل مع قصيدة «بها جافاد - جيتا» والتي تعد أجمل قصيدة فلسفية عرفها العالم وقد تناولت المفاهيم والمعارف والنظم والمعتقدات الإنسانية، ولا يعرف ناظمها وتاريخ نظمها حيث يرجع تاريخها إلى 400 سنة قبل الميلاد، ويستخدمها الهنود لحلف اليمين في المحاكم.

أما ثاني الملاحم الهندية فهي «رامايانا» وهي ملحمة هندية كلاسيكية أقصر من الماها بهارتا إذ لا يزيد طولها على ألف صفحة، كل صفحة ثمانية وأربعون سطرًا، إلا أنها أخذت تزداد بالإضافات من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثاني بعد الميلاد، ويعزوا الرواة هذه القصيدة إلى الشاعر والحكيم الهندي (فالميكى) وإن كان بعض النقاد ينسبونها لمجموعات من المنشدين العابرين.

أما ملحمة «الأينادة» فقد كتبها الشاعر الروماني بوبليوس فرجيليوس مارو والتي استغرق في كتابتها عشر سنوات، بدأها من العام 29 وحتى العام 39 قبل الميلاد. فكرة القصيدة تقوم على البحث عن أرض الأحلام ما بين المدن والجزر والبحار، وكانت ملحمة خارجة عن المألوف الشعري، فهي تعرض رحلة شعرية ملحمية في المناطق الواقعة ما بين آسيا الصغرى في الشرق وشمال إفريقيا في الغرب وجنوب أوروبا.

أما ملحمتا «الإلياذة والأوديسة» فهما من تأليف الشاعر الإغريقي القديم هوميروس، وتعدان من أشهر الملاحم الشعرية القديمة. ووقعت أحداث الإلياذة في منتصف القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وترجمت الإلياذة إلى كل لغات العالم.

إن أهم نقص يراه النقاد في الملاحم القديمة هو افتقارها إلى الترابط المنطقي في التأليف، إلا أن الملاحم تعتبر سجلًا تاريخيًا للأزمنة والأمكنة التي مرت بها البشرية في تاريخها، حيث نضجت واكتملت ونمت مستوعبة الأزمنة والأمكنة التاريخية، وحققت سبقًا مشهودًا في الإبداع الفني العالمي، حيث عمقت الصلة ما بين الفن والكفاح.

كانت الملاحم تمثل أفكارًا وأساليب العالم القديم كعالم إنساني وعفوي وبسيط قدم أروع النماذج الإنسانية.

حازت الملاحم الأدبية القديمة على شهرة عالمية ودخلت تاريخ الأدب العالمي، وأصبحت في نظر أجيال العالم رمزًا للفن الشعري القديم.

واستقبلتها الأجيال المتعاقبة في كل من آسيا وأوربا بحماس منقطع النظير، حيث قاموا بدراستها والشروح عليها ونشرها في الأوساط الأدبية، إلا أنها لم تجد العناية والانتشار في الأوساط الأدبية العربية.

والآن يستوقفنا سؤال هام وهو: لماذا لم تأخذ ملحمة (سيرة بني هلال) العربية شهرة عالمية كالشهرة التي وصلت إليها مثلًا ملحمة الشاهنامة للفردوسي أو ملحمة الإلياذة والأوديسة لهوميروس أو ملحمة الماهابهارتا وملحمة الإينادة والكوميديا الإلهية والفردوس المفقود، رغم أن سيرة بني هلال ملحمة طويلة تصل إلى مليون بيت من الشعر، تصف رحلة بني هلال من نجد إلى تونس وعدتها اليونسكو واحدة من روائع الجنس البشري للتراث الشفوي المعنوي للبشرية.

وكذلك (رسالة الغفران) للمعري من الملاحم الأدبية العربية الملهمة، تأثر بها الشاعر دانتي أثناء كتابة ملحمته (الكوميديا الإلهية) وكذلك (الإلياذة الإسلامية) لأحمد محرم.