استوعب تماما دوافع القرارات الجديدة في بعض الجامعات السعودية التي تم تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي، التي تقضي بإلزام طلاب الجامعات السعودية بالزي الرسمي، المكون من الثوب، والشماغ أو الغترة، داخل الحرم الجامعي. هو أمر مطلوب ومشروع كونه يعزز المحافظة على الهوية الوطنية، ولكن ما يثير تساؤلي هو التعاميم المتعلقة بلباس الطالبات والتي تستوجب تقليل المكياج وارتداء التنورة السوداء الطويلة والفضفاضة والخالية من الفتحات، وأن تتجنب ارتداء البلوزة ذات الألوان المزعجة.. وكذلك منع لبس البنطال الضيق والتنانير القصيرة.. وأهمية ارتداء العباءة الطويلة وغطاء الرأس وأن تكون سوداء اللون وأن يكون القميص طويلا محتشما، وبنطلونا واسعا فضفاضا. وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال جوهري: هل وجود اللباس مرتبط بوجود الإنسان، أم العكس؟ بصورة أعمق، هل المرأة خُلقت لتكون لباسها، أم أن لباسها هو تعبير عن هويتها؟ إن مفهوم الحرص المبالغ فيه على حشمة المرأة قد يتحول أحيانًا إلى حالة من الفوبيا، حيث يُفضل التركيز على الأزياء والتفاصيل الشكلية أكثر من التركيز على شخصية المرأة ووعيها وثقافتها، خاصة أننا نتحدث عن أنثى تحاول التعبير عن نفسها من خلال أزيائها، وللأسف هذا النوع من التعاميم ليس جديدا خاصة في مسألة زي الطالبة الجامعية، فقد يكون رد فعل لبعض الطالبات اللاتي يبالغن في وضع المساحيق وكأنهن ذاهبات إلى حفلة زواج وليس إلى صرح تعليمي! ولكني في الحال ذاتها لا أستطيع نسيان تلك الحادثة التي حصلت قبل عدة سنوات والتي شهدناها جميعا، عندما منع المسعفون من دخول الكلية وإسعاف طالبة تعرضت لأزمة قلبية، والتي توفيت على إثرها. إذًا فالمسألة هنا ليست مسألة حشمة؛ وإلا كيف يجتمع منع المسعفين من الدخول لكليات البنات وترك الطالبات يمتن! وهنا قفزت إلى ذهني حلقة (طاش ما طاش) التي كتبها الراحل الدكتور عبدالرحمن الوابلي - رحمه الله - وهي من نوع (الكوميديا السوداء)، ملخصها أن رجلي إسعاف يتعرضان لمشاكل، من قبيل منعهم من إسعاف النساء، ناهيك عن ضربهم وإيذائهم بسبب ذلك. ولذلك أثناء مشاهدتهم بالمصادفة لفيلم بالتلفزيون؛ يعرض طريقة علاج الحيوانات المتوحشة في الغابة، عن طريق إطلاق إبر مخدرة من بندقية مخصصة لذلك، من أجل علاجها وهي تحت تأثير المخدر، استوحيا فكرة استخدام البندقية المخدرة، ليس في تخدير المرضى بها من أجل علاجهم، ولكن من أجل إطلاق الرصاصة المخدرة على من يقف متوحشًا، كوحش الغابة، حائلًا بينهم وبين إسعاف النساء. وهنا استخدم المسعفان بندقيات الإبر المخدرة، التي تستخدم في الغابات لعلاج الحيوانات المتوحشة، لصيد وتخدير الفحول المتوحشة والتي تحول بينهم وبين من ينتظر إسعافهم من النساء. ونجحت العملية معهما، وآخر ما استخدماها مع حرس إحدى مدارس البنات الذين وقفوا سدا منيعا ضد دخولهم لإنقاذ طالبات تعرضن لحالة تسمم. وانتهت الحلقة الكوميدية بدخول المسعفين للمدرسة وعلاج الطالبات.

وحتى عندما نجري مقارنة مع الجامعات العالمية، قد يُعتبر إدراج قواعد صارمة حول لون اللباس أمرًا غير معتاد، حيث لا نرى نظامًا مماثلًا يحدد لون ملابس الطلبة بناءً على مفاهيم أو ألوان معينة، فقط نراها في الجامعات العسكرية أو الجامعات ذات الطابع الديني، لذا يحق لنا التساؤل:

كيف توصلت الجامعة إلى أن اللون الأسود هو الأنسب للبيئة الأكاديمية للطالبات؟ لماذا لم يكن مثلا الأبيض أو الرصاصي القاتم أو البنفسجي القاتم، وهل يعتمد ذلك على فلسفة الألوان، أم أنه مجرد تصور نمطي للجامعات؟ ختاما: حشمة المرأة في جامعاتنا المحترمة أمر مهم ومطلوب، لكن المبالغة والدخول في التفاصيل أمر غير صحي في البيئة الجامعية. حينها سنتحول إلى سؤال من يأتي أولا العباءة أم المرأة؛ وهو لغز يحاكي «البيضة أم الدجاجة»؟


الحل الأنسب هو وضع قواعد مرنة تعزز من حرية اللباس للفتاة الجامعية وفي الحال ذاتها، تحافظ على الاحتشام، وبالتالي خلق بيئة جامعية محترمة.