مسمى «الإخوان المسلمين» أصبح مشؤومًا، مصنّفًا كمنظّمة إرهابية في بعض البلدان. هذا الأمر صعّب المهمة على الإخوان وفروخها، كالصحوة والسرورية، في ممارسة عملهم الحركي/ التنظيري لتحقيق أهدافهم السياسية. لذلك، توجه بعض الإخوان إلى تبني فكرة الانصهار والتوزع داخل تنظيمات أخرى متنوعة، والاستغناء عن مسمّى «الإخوان» المشؤوم. من أشهر من طرح هذا الاقتراح عبدالله النفيسي في كتابه: «الحركة الإسلامية، رؤية مستقبلية».

يهمنا في هذا المقام استقراء التحورات الصحوية داخل الخليج، والسعودية على وجه الخصوص. كثير من أتباع الصحوة الشباب حاليًا في الخليج لا يعترف بمسمّى «الإخوان»، ويصرح بعدم الانتماء إليه. وبعضهم يرفضه رفضًا تامًا وينقده بشدة، لكنه يحمل كل مضامينه من الناحية العملية. حيث إنه يرفض تمامًا الانتماء للإخوان، لكنه ينظّر لسيد قطب ويدافع عنه. ويبرر هذه المفارقة بأن سيد قطب له ما له وعليه ما عليه، وأنه عالِم وأديب كغيره من المجتهدين في الدين والثقافة الإسلامية، نأخذ منه ما ينفعنا ونترك ما يضرنا. رغم أن سيد قطب غير معتبر بتاتًا داخل البيت السلفي الحقيقي في الخليج من الناحية العلمية والدينية. وكذلك لم أجد أديبًا معتبرًا يستشهد بسيد قطب أو متأثر برواياته وأدبياته. فبالتالي، حالة التنصل من مسمى «الإخوان» - مع الحفاظ على المحتوى الجوهري له - واضحة جدًا على كثير من الصحويين الجدد.

ينصهر الصحوي الجديد داخل السعودية، في أي حراك/مجموعة إسلامية مهما كانت توجهاتها من أجل التنصل من مسمى الإخوان، ولبس هوية جديدة تخفي الباطن. والبعض يكون مجموعة إخوانية/صحوية/سرورية تقدم نشاطا إعلاميا أو أدبيا أو علميا جديدا يحمل مسمى عاما لا يُحيل إلى أي ارتباط بالإخوان أو الإسلام السياسي. على سبيل المثال، أن تؤسس مجموعة إخوانية/صحوية شابة في الخليج دار نشر دينية-فكرية عامة، بمسمّى عام، لا يحمل أي توجه آيديولوجي. يمارسون من خلال هذه الدار تحركاتهم الفكرية من أجل تحقيق الأهداف الكبرى بسرية تامة دون أي شكوك حولهم. يستقطب الأعضاء حسب مناسبته لتوجههم الإخواني. الاستقطاب بينهم أمر سهل جدًا لأنهم يعرفون سمات بعضهم البعض.


تشكل هذه المجموعات العامة -المتنصلة من المسمى «الإخواني»- مشروعا مشتركا غير معلن، لاستمرار تحقيق الأهداف الإخوانية دون أي مشاكل أو شكوك حولهم. تصبح في ظاهرها مجموعات متنوعة أدبية مختلفة في مجالاتها لكنها في الأصل متفقة على الرؤية «الإخوانية» الكبرى؛ لكنه اتفاق غير معلن ولا مكتوب ولا مصرح بهِ حتى فيما بينهم. اتفاق ضمني في سياق حركي لا ينتبه إليه إلا من بحث كثيرًا في أدبياتهم أو كان أحدًا منهم. وبالتالي، يكون الانصهار داخل مجموعات متفرقة بمسميات مختلفة -بعيدًا عن الاسم المشؤوم «الإخوان المسلمين»- حلًا عمليًا من أجل استمرار نشاطهم الحركي والتنظيري الذي يهدف إلى استقطاب الحشود وتدجين الشباب من خلال نشر الكتب وصناعة محتوى إعلامي على منصات التواصل الاجتماعي، وإنتاج الكثير من المواد الإعلامية كالبودكاست والندوات الأدبية والفكرية المتنوعة دون أي معوقات.

ومن المجالات التي امتطوها مؤخرًا: تطوير الذات، علم النفس الإسلامي، الوعظ الترفيهي، الروايات، الفكر والفلسفة وغيرها من المجالات التي يميل إليها المجتمع وخصوصًا الشباب الناشئ. ومن خلال تلك المجالات يتم تمرير المحتوى الإخواني بشكل غير مباشر وبما يناسب الشباب. وكل ما يمرر من أدبيات إخوانية يكون بمفردات عامة وتركيب لغوي مختلف عن الخطابات الإخوانية-الصحوية السابقة؛ لكي يبتعدوا عن أي شكوك حول محتواهم المطروح للجماهير. وبذلك يكون العمل بمحتوى إخواني لكن بمسميات ولغة غير إخوانية. وهذا ديدن " الإخواني/ الصحوي" يستطيع لبس أي رداء من أجل تحقيق أهدافه.