في خطوة تُظهر نبل القلب وسعة الصدر، يقرر مواطنا ما العفو عن قاتل أب أو أبن أو أخ، متجاوزاً آلام الفقد وجراح القلب، متمسكاً بقيم التسامح والصفح التي تعززها تعاليم الدين الإسلامي والمبادئ الإنسانية. ويكون لهذا القرار أثرٌ كبيرٌ في المجتمع، حيث يتوافد أناس من مختلف المناطق لتقديم الدعم السخي والشكر لاسيما من أقارب الجاني، مشيدين بسماحة العافي وكرمه الأخلاقي والإنساني، وهذا أمرا إيجابي ومحمود يستحقه من يعفو ويشكر عليه كل من يبادر بدعم صاحب العفو.

ومن المؤكد أن قرار العفو عن قاتل يحتاج إلى شجاعة ونبل أخلاقي كبيرين لا يقدران بثمن. ولا شك أن هدف هذا التسامح والعفو الذي يبذله صاحب الحق ليس للفت الأنظار أو البحث عن شهرة، بل هو بذل لله عز وجل وابتغاء ما وعد به في قوله تعالى: "فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ" .

ولكن سرعان ما تتحول هذه القضية إلى مسرح اجتماعي يجذب الباحثين عن الشهرة والمجد الزائف. لمن يفتقرون إلى أي صفة اعتبارية أو دور فعال في الشأن الاجتماعي، فقط يستغلون المواقف المأساوية للمصائب والجرائم من أجل التقاط صور ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، مما يحوّل الموقف من فعل إنساني نبيل إلى عرض مبتذل.


تصبح هذه الزيارات من تعبير عن التضامن وتقديم الدعم السخي لصاحب العفو إلى مشهدٍ مغاير، حيث يبدأ الكثيرون بالتوافد إلى منزل المتنازل برفقة المصورين ليس لتقديم الشكر، بل رغبةً في الظهور الإعلامي على حساب مأساة أسرة، والتسبب في التكلف بالحضور والزحام ومراسم استقبال وتوديع وأشغال ذوو المتنازل دون تقديم أي مبادرات تذكر.

حقيقة أن التصوير المفرط من قبل بعض المتطفلين ومن يسمون بالمشاهير أو مرافقي المشاهير، ونشر قصص العفو بغرض كسب الأضواء أو جذب المتابعين لا يُضيف أي قيمة حقيقية لهذه القيم، بل يؤدي إلى تحريفها وإفراغها من معانيها السامية.

لذا يجب الحد من هذه الظاهرة، وعلى المجتمع أن يعمل على تعزيز الوعي بأن القيم النبيلة لا تحتاج إلى استعراض أو تصفيق. ينبغي أن تكون أفعال التسامح موجهة نحو هدفها الإنساني البحت، دون الحاجة إلى تسليط الأضواء أو تحويلها إلى مشاهد استعراضية.

ختاماً، التسامح والعفو من أسمى القيم التي يمكن أن يحملها الإنسان، ولا يجب أن تتحولا إلى أدوات للشهرة أو حب الظهور، والحفاظ على طهارة ونبل هذه الأفعال يتطلب منا جميعاً أن نرتقي بفهمنا وقيمنا، وأن نعمل على ترسيخ ثقافة التسامح الحقيقي بعيداً عن الأضواء والمظاهر الكاذبة.