لا يزال الجيش الروسي يواجه صعوبة حتى الآن في التعامل مع الهجوم المفاجئ، الذي أدى إلى فرار عشرات الآلاف من المدنيين من المنطقة، حيث شكل التوغل الأوكراني السريع في منطقة كورسك الروسية، الذي بدأ الأسبوع الماضي، أكبر غارة عبر الحدود تشنها قوات كييف في الحرب المستمرة منذ ما يقرب من عامين ونصف العام، وكشف نقاط ضعف روسيا، ووجه ضربة مؤلمة للكرملين.

وبالنسبة لأوكرانيا، قدمت الغارة دفعة معنوية كانت في أمس الحاجة إليها في وقت تواجه فيه قواتها، التي تعاني نقصا في العدد والتسليح، هجمات روسية لا هوادة فيها على طول خط المواجهة، الذي يمتد لأكثر من ألف كيلومتر (620 ميلا). وفيما يلي نظرة على الغارة الأوكرانية وتداعياتها:

ما هي أهداف أوكرانيا؟


ومن خلال شن التوغل، ربما تهدف كييف إلى إجبار الكرملين على تحويل الموارد من منطقة دونيتسك الأوكرانية، حيث شنت القوات الروسية هجمات في قطاعات عدة وحققت مكاسب بطيئة، ولكن ثابتة. وإذا تمكنت أوكرانيا من الاحتفاظ ببعض مكاسبها في كورسك، فإن هذا من شأنه أن يعزز موقف كييف في محادثات السلام المستقبلية، وقد يسمح لها بمبادلتها بالأراضي الأوكرانية المحتلة من قِبل روسيا.

كما وجهت هذه العملية ضربة قوية للكرملين، حيث سلطت الضوء على فشله في حماية البلاد، وحطمت رواية بوتين بأن روسيا ظلت إلى حد كبير سالمة من الأعمال العدائية.

وأرسلت العملية العسكرية أيضا إشارة قوية إلى حلفاء كييف مفادها أن الجيش الأوكراني قادر على اغتنام المبادرة في الحرب، وهي رسالة مهمة بشكل خاص قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية.

ولكن على الرغم من النجاحات الأولية، فإن التوغل في روسيا قد يؤدي إلى استنزاف بعض الوحدات الأكثر كفاءة في أوكرانيا، ويترك القوات في دونيتسك دون تعزيزات حيوية، بينما محاولة إنشاء وجود دائم في منطقة كورسك قد تكون تحديًا للقوات الأوكرانية، التي ستكون خطوط إمدادها عرضة للنيران الروسية.

وقال ماثيو سافيل من المعهد الملكي للخدمات المتحدة: «الحفاظ على قوة بأي حجم في روسيا، والدفاع ضد الهجمات المضادة سيكون صعبا، نظرا إلى الاحتياطات المحدودة المتاحة لأوكرانيا».

كيف تطور الهجوم؟

تدفقت قوات كييف على منطقة كورسك من اتجاهات عدة الثلاثاء الماضي، وسرعان ما تغلبت على عدد من نقاط التفتيش والتحصينات الميدانية التي يحرسها حرس الحدود المسلحون بشكل خفيف ووحدات المشاة على طول حدود المنطقة، التي يبلغ طولها 245 كيلومترًا (152 ميلا) مع أوكرانيا.

وعلى النقيض من الغارات السابقة التي نفذتها مجموعات صغيرة من المتطوعين الروس المناهضين للكرملين الذين يقاتلون إلى جانب القوات الأوكرانية، فإن التوغل في منطقة كورسك يشمل، وفقا للتقارير، وحدات من ألوية عدة من الجيش الأوكراني المتمرسة في القتال.

وأفاد مدونون عسكريون روس بأن مجموعات متنقلة أوكرانية، مكونة من مركبات مدرعة عدة، توغلت بسرعة عشرات الكيلومترات داخل الأراضي الروسية، متجاوزة التحصينات الروسية، وبثت الذعر في جميع أنحاء المنطقة.

وقال ماثيو سافيل، مدير العلوم العسكرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، إن القوات الأوكرانية تقدمت لمسافة تصل إلى 30 كيلومترًا (19 ميلًا) في بعض الاتجاهات. وأضاف أيضًا أن المساحة الإجمالية التي غطتها التوغلات تبدو نحو 400 كيلومتر مربع (154 ميلًا مربعًا)، على الرغم من أنه من غير الواضح مقدار تلك الأراضي التي تسيطر عليها بالفعل.

وأفاد بأن هناك أدلة تشير إلى مشاركة ما يصل إلى 10 آلاف جندي أوكراني من أربعة ألوية على الأقل - وربما أكثر - وأنهم يستخدمون المعدات التي يوفرها الغرب، بما في ذلك مركبات المشاة القتالية.

واستخدمت القوات الأوكرانية طائرات دون طيار على نطاق واسع في ضرب المركبات العسكرية الروسية، ونشرت أصول الحرب الإلكترونية، لتشويش الطائرات الروسية دون طيار وقمع الاتصالات العسكرية.

وبينما تجوب مجموعات متنقلة أوكرانية صغيرة المنطقة دون محاولة تعزيز السيطرة، أفادت التقارير بأن قوات أخرى بدأت في حفر تحصينات دفاعية بمناطق معينة، بما في ذلك الجزء الغربي من سودزا، وهي بلدة تبعد نحو 10 كيلومترات (6 أميال) عن الحدود.

كيف يرد الجيش الروسي؟

ولكن القوات الروسية فشلت في الرد السريع، فمع انخراط الجزء الأكبر من جيشها في الهجوم على منطقة دونيتسك بشرق أوكرانيا، لم يتبق سوى عدد قليل من القوات، لحماية منطقة كورسك الحدودية. وكانت الوحدات الروسية هناك تتألف في الغالب من مجندين غير مدربين تدريبا جيدا، لذا كان من السهل التغلب عليهم من قِبل الوحدات الأوكرانية المخضرمة، وقد وقع بعض المجندين في الأسر.

وأدى نقص القوى العاملة إلى دفع القيادة العسكرية الروسية إلى الاعتماد في البداية على الطائرات الحربية والمروحيات الحربية، لمحاولة التصدي للهجوم، لكن تمكنت القوات الأوكرانية المتقدمة من إسقاط مروحية روسية واحدة على الأقل وإتلاف أخرى، وفقًا لمدونين عسكريين روس.

وبدأت التعزيزات الروسية، بما في ذلك وحدات من القوات الخاصة (النخبة) ومرتزقة فاغنر المتشددون، في الوصول إلى منطقة كورسك، ولكن حتى الآن يبدو أنهم فشلوا في إخراج القوات الأوكرانية من سودزا ومناطق أخرى.