سعت جهات حكومية إلى النأي بنفسها عن تحمل مسؤولية نتائج حمم حريق "براعم الوطن" التي تطاردها، متقاذفة "كرة نار" حديد النوافذ وشروط السلامة. فوزارة "الشؤون البلدية والقروية" رفضت أمس، اتهامها من جانب وزارة "التربية والتعليم" على لسان وكيلتها الدكتورة هيا العواد، بأنها تشترط تسييج النوافذ. وقال مسؤول في "البلديات" (رفض ذكر اسمه) إن "التربية هي المسؤولة عن حديد نوافذ المدارس".

وأوضح لـ "الوطن" أن "الشروط المطبقة في المدارس، هي من وزارة التربية والتعليم وليس للشؤون البلدية والقروية أي يد فيها"، متهماَ التربية بـ "التقصير في الجولات الرقابية على المدارس الأهلية"، ونافيا المسؤولية عن مراقبي البلديات.

أمانة جدة بدورها، نفت على لسان مسؤول في إدارة رخص واشتراطات البناء، أن تكون لها علاقة بسياج النوافذ، مؤكدة أنها "تصدر فقط رخصة البناء الأساسية، أما مثل هذه الاشتراطات فتصدر عن الدفاع المدني الذي يمنح شهادات صلاحية المباني للاستخدام التعليمي".

أما الدفاع المدني، فدافع عن نفسه عبر مدير إدارة "مدني جدة" العميد عبدالله جداوي الذي قال: "نحن لا نؤيد ذلك أبداً في نوافذ الفصول الدراسية، وإن كان لا بد فيكون فقط للحجرات التي تحوي وثائق مهمة".

ودخل على خط السجال، مديرو مدارس مؤكدين أن شهادات سلامة المنشأة التي يصدرها الدفاع المدني "شكلية" وتصلهم بالبريد من إدارة التعليم "دون حضور أي فريق متخصص".

على خط متصل، وتحسباً لوقوع مأساة جديدة، أطلقت مشرفة العوق البصري في "التربية والتعليم" حصة الموسى، نداء تحذير أمس، من "كارثة قريبة تهدد 95 كفيفة في مبنى معهد النور بالرياض الآيل للسقوط وفق الدفاع المدني"، محملة إدارة المباني بالوزارة ومديرة المعهد "مسؤولية ما سيحدث".

 




تحولت فصول مدرسة براعم الوطن التي نكبت بحريق هائل السبت الماضي، قضت فيه معلمتان وأصيبت 59 طالبة ومعلمة إلى مكان مهجور، ولم يبق فيها إلا أطلال تدل على أنها كانت مخصصة للدراسة يوما ما، فالكتب المدرسية متناثرة، والطاولات غطاها الغبار الكثيف.

ورصدت "الوطن" من خلال جولة ميدانية داخل مبنى المدرسة، الأضرار التي لحقت بها، لاسيما البدروم مصدر الحريق، حيث تحول إلى أكوام من الغبار الأسود ومياه متراكمة، وتحول المكان المخصص لترفيه الأطفال خلف سلالم البدروم إلى أنقاض.

ولم تسلم كذلك غرفة التدبير المنزلي التي كانت مجهزة بأدوات المطبخ، والموجودة في الجانب الآخر من البدروم من الدمار، إلى جانب نحو 150 جهاز كمبيوتر يضمها المعمل الخاص الذي جهزته المدرسة للطالبات. أما أرضية المبنى فقد اكتست بالسواد ولم ينج المسرح الذي كان مصدرا لفرحة الطالبات من الدمار حيث تحول أيضا إلى أطلال.

انتقلنا إلى الطابق الثاني علنا نجد شكلا مغايرا إلا أنه لم يكن أحسن حالا عن البدروم، فكتب الطالبات وحقائبهن متناثرة بشكل فوضوي على الطاولات في الفصول نتيجة الذعر الذي انتاب الطالبات والمعلمات والمنسوبات لحظة نشوب الحريق.

كما تتناثر الحقائب والكتب المدرسية والعباءات في جميع الممرات، إضافة إلى انتشار الزجاج على أرضية الفصول الدراسية نتيجة تهشيم النوافذ من قبل المعلمات في محاولة منهن لإيجاد سبيل لإخراج الأدخنة المتصاعدة التي كانت سببا رئيسيا لمعظم حالات الاختناق.

أما الطابق الثالث الذي توجد به غرفة المعلمات فقد شهد فصولا درامية حزينة على المعلمات والطالبات اللاتي ألقين بأنفسهن من نوافذ الغرفة طلبا للنجاة، والهروب من ألسنة اللهب المتصاعد إلى الأدوار العلوية.

ففي غرفة المعلمات تتناثر أوراق الطالبات وحقائب المعلمات وأغراضهن الشخصية. وفي إحدى زوايا الغرفة توجد النافذة التي قفزت منها المعلمات وبعض الطالبات إلى فناء المدرسة.

من جهتها، كشفت شاهدتا عيان كانتا موجودتين ساعة وقوع الحادث، بعض تفاصيل اللحظات الأولى لاندلاع الحريق، حيث ذكرت كل من المحاسبة الإدارية زينب بسلم، ومعلمة رياض الأطفال حورية حنفي، أن المديرة أبلغتهن باندلاع حريق في البدروم، مشيرتين إلى أن المعلمات أخرجن الطالبات من الدورين الأول والثاني إلى فناء المدرسة.

وأضافتا أنه لم تخل طالبات الدور الثالث في البداية، مشيرتين إلى وجود خطة إخلاء تطبق في المدرسة، وأنه منذ بداية الحريق في الدور السفلي كان يفترض صعود طالبات الدور الثالث إلى سطح المدرسة، لكن مع تصاعد الأدخنة حدث نوع من الارتباك واحتجاز عدد من المعلمات والطالبات داخل غرفة المعلمات.

وأشارتا إلى أن دخول الدخان عليهن في غرفة المعلمات أحدث اختناقات عديدة داخل الغرفة، مما دفع بعضهن إلى تهشيم الزجاج، وإلقاء أنفسهن من النوافذ، كما دفع أولياء الأمور إلى الاستعانة بالأشرعة والمفارش وعباءات الطالبات لاستقبال المعلمات اللاتي يلقين بأنفسهن من النوافذ.

من جانبه، أكد مساعد مدير الإدارة العامة في الأدلة الجنائية العميد عبدالله عبدالعزيز المسعد، أن الأدلة الأولية جمعت من أقوال الموجودين في الموقع، ورفعت جميع الأدلة للمعمل الجنائي للوصول إلى النتائج، لمعرفة أسباب نشوب الحريق داخل مبني المدرسة. وأضاف أن المدرسة نموذجية ومطبقة لسبل السلامة وتتوفر بها طفايات الحريق كافة إلى جانب وجود مخارج للطوارئ الخمس التي كانت مفتوحة، واستخدمت وقت نشوب الحريق في إخراج الطالبات، وتطبيق عمليات الإخلاء من قبل إدارة المدرسة.

وأكد أن أبواب الطوارئ لم تكن مغلقة، مشيرا إلى حرص المدرسة على توفير وسائل مكافحة الحريق كافة بدءا من خراطيم المياه التي تستخدم في مكافحة الحرائق ومخارج الطوارئ، لامحا إلى إعلان نتائج التحقيقات الأسبوع المقبل.

يشار إلى أن مالكة المدرسة أروى آل الشيخ اعتذرت في اتصال هاتفي معها عن الإدلاء بأي تصريحات متعللة بانشغالها في التنسيق لتوزيع طالبات المدرسة على مدارس أخرى.