تعتبر السياحة من أهم الأنشطة التي يمارسها الإنسان في العصر الحديث، فهي ليست مجرد وسيلة للترفيه والاستجمام، بل هي أيضًا فرصة للتعلم واكتشاف الثقافات المختلفة. في المملكة العربية السعودية، يمكن تقسيم السياح إلى عدة أنواع لكن سأركز في هذا المقال على نوعين!

السياح من النوع الأول يمكن وصفهم بأنهم يمارسون «سياحة أداء الواجب»، هؤلاء السياح يفضلون الذهاب إلى الأماكن نفسها كل عام، مثلا الذين يذهبون كل سنة إلى نفس الأماكن في أوروبا مثل لندن وباريس، وبحيث يقابلون الوجوه نفسها التي يقابلونها عادة في الرياض، هذا النوع من السياحة يمكن أن يُنظر إليه على أنه نوع من الروتين الاجتماعي، حيث يشعر السياح أنهم يجب أن يسافروا، ولكنهم لا يسعون لتجربة جديدة أو اكتشاف أماكن جديدة. يمكن وصف هذه الفئة إلى حد ما بأنها تمثل الطبقة البرجوازية التي لا تعي المعنى الحقيقي للسياحة. بعض الأحيان أجلس مع بعض الأصدقاء وأسمع منهم كنا في باريس أو لندن وقابلنا فلانا وفلانا في المقهى الفلاني! وش الفرق لو قابلتهم في الرياض مثلا!؟ غير إنك لابس بنطلون وقميص بدل الثوب! ومن قالك إنه من المتعة تقابل الوجوه نفسها اللي عادة تقابلهم؟!

يذكرني هذه النوع من السياحة بالزواجات والأعراس، الواحد يحضر خمس دقائق عن قولة (إنهم شافوا وجهه بالعرس!) بعدين ترى الموضوع ما هو تحضير حضور وانصراف وشفتم بعضكم!، السياحة هدفها التغيير والتبديل أما نفس الوجوه ونفس الرسمية ونفس الأماكن، هذا أداء واجب على شكل سياحة!


على الجانب الآخر، هناك النوع الثاني وهم السياح الذين يسعون للمتعة والتغيير والاكتشاف. هؤلاء السياح يحرثون الأرض شرقها وغربها، يسافرون إلى سفوح الجبال وأنهارها وبحارها، بحثًا عن المغامرة ورؤية الجديد. هؤلاء السياح يتمتعون بحماس كبير لاكتشاف الثقافات الجديدة وتجربة الأنشطة المختلفة.

بسبب طبيعة عملي أسافر كثيرا وأزور أماكن كثيرة حول العالم، وفي السياحة أحاول أن أزور أماكن نادرة الوصول، وأذكر في مرة قررت الذهاب لمكان منعزل جدا وعادة لا يأتيه السياح الأجانب إلا نادرا جدا، ومن باب الفضول سألتهم هل مر عليكم سياح عرب أو سعوديون، فأجابوا دون تردد طبعا، جانا سعوديون وذكروا أسماء! ويبدو أن الإخوة السعوديين ما فيه مكان في العالم ما زاروه، فعلا رحالة وجوالة ومغامرين، وهذه هي روح السياحية الحقيقية والتي بامتياز يمثلها بعض السياح السعوديين!

المثير للاهتمام أو السخرية –سمها ما شئت– أن تجد أن النوع الأول من السياح ينتقد حماس النوع الثاني، معتبرين أنهم يتعبون أنفسهم بلا داعٍ! يا عزيزي إن ما تقوم به من سياحة مقاهي وتمشي بالشوارع نفسها في العواصم الأوروبية ليس سياحة حقيقية، بل (تأدية واجب) حتى تنتقد من يقوم بروح ومتعة السياحة!.

للسفر والسياحة الحقيقية فوائد عديدة تتجاوز مجرد الترفيه ومن بين هذه الفوائد:

1. التعلم واكتساب المعرفة: السفر والسياحة يتيحان للناس فرصة التعرف على ثقافات جديدة وتعلم لغات جديدة.

2. تحسين الصحة النفسية: السفر والسياحة يمكن أن يقللا من مستويات التوتر ويحسنا المزاج.

3. توسيع الأفق: السفر والسياحة يساعدان على توسيع الأفق وتغيير النظرة إلى الحياة.

4. تعزيز العلاقات الاجتماعية: السفر يمكن أن يعزز العلاقات بين الأصدقاء والعائلة من خلال قضاء وقت ممتع معًا.

والسياحة صناعة محترفة واقتصاد عالمي كبير جدًا، فإحصائيات السياحة العالمية أرقامها هائلة بكل المقاييس.

وفقًا لمنظمة السياحة العالمية، شهدت السياحة العالمية نموًا كبيرًا في السنوات الأخيرة وفي عام 2023، بلغ عدد السياح الدوليين حوالي 1.5 مليار سائح، كما أن السياحة تساهم بشكل كبير في الاقتصاد العالمي، حيث بلغت مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي حوالي 9.1 % في عام 2023، وهذا النمو يعكس أهمية السياحة كقطاع اقتصادي حيوي، أي أكثر من 9 ترليونات دولار! وفي نفس عام 2023 وفر قطاع السياحة العالمي حوالي 334 مليون وظيفة، وهو ما يمثل حوالي 10 % من إجمالي الوظائف العالمية.

في الختام، يمكن القول إن السياحة ليست مجرد نشاط ترفيهي، بل هي فرصة للتعلم والاكتشاف وتوسيع الأفق، ونصيحة اتركوا عنكم الكسل والمجاملات والذهاب إلى الأماكن نفسها كل عام، واجعلوا أنفسكم ممن يسعى للمغامرة والاكتشاف، فإن السفر يظل تجربة غنية ومفيدة.