وشهدت سوق الخدمات التجميلية جملة من المتغيرات الجديدة التي طرأت على منتجاتها وخدماتها حتى باتت عيادات ومراكز التجميل تنتشر في كل مكان، وهي تجد زحامًا وإقبالا كبيرين من النساء اللواتي يطلبن خدمات تتنوع بين نفخ الشفاه ورسم الحواجب، والفيلر وحقنات البوتكس، إلى غيرها من الخدمات.
وأمام هذا التوسع الملحوظ، سواء على مستوى كثرة المراكز والعيادات المتخصصة بالتجميل، أو حتى على مستوى الخدمات المقدمة منها، يواجه كثيرون، بما فيهم أرباب الأسر من الرجال مخاوف وقلق مستمرين من تأثير متطلبات المرأة لخدمات التجميل على ميزانية الأسرة، خصوصًا في ظل السباق المحموم بين النساء للوصول إلى الجمال المنشود في ملامح الوجه أو تضاريس الجسد.
وتستغل المراكز والعيادات التجميلية شغف المرأة للجمال بالتنافس الذي يبدو على أشده لاستقطاب المرأة؛ وذلك عبر الإعلانات المغرية والأسعار المنافسة، والعروض التي وصلت إلى حدود الإغراء بالتقسيط الشهري.
ويكفي أن تدخل على أي صفحة لعيادة تجميل في منصة الانستجرام مثلاً لتجد أن عدد المتابعين للصفحة تجاوز عشرات الآلاف، وأن أكثر من 50% منهم من النساء، ما يدل على حالة الشغف بالتجميل والتي بلغت ذروتها في الفترات الأخيرة.
خلطات العطارين
مع كل هذا الهوس بالجمال ومقاييسه، عادت محلات العطارة والأعشاب الطبيعية بقوة إلى المشهد، وهي تلقى اهتمامًا كبيرًا من السيدات الباحثات عن مستحضرات تجميل بعضها عجيب بخلطات غريبة، وكثيرات منهن يجمعن مكوناتها ويقمن بتحضيرها ذاتيًا، وذلك بالاعتماد على ما يتم نشره في وسائل التواصل الاجتماعي ممن يدعين الخبرة والاختصاص في مجال الجمال.
مشاغل وأندية
في المقابل، ما زالت المشاغل النسائية ومراكز اللياقة البدنية أو الصالات الرياضية للسيدات ذات تكلفة مادية عالية مقارنةً بنظيرها من مراكز وأندية خاصة للرجال، كما ينضم إلى مراكز وعيادات التجميل، محلات التصميم وخياطة الملابس لأنها ضرورية لإكمال بهاء الجمال، ولهذا فإن محلات التصميم والخياطة النسائية تبقى مرتفعة الأسعار بشكل مبالغ فيه مقارنة مع نظيراتها المخصصة للرجال.
ولا شك أن اهتمام المرأة بجمالها ليس بدعة حديثة، ولا أمرًا طارئًا، فهو اهتمام نشأ منذ الآف السنين، وتجلى بدايةً من رسم العيون بالكحل العربي الأسود، حتى استخدام المرأة للزيوت العطرية والأعشاب الطبيعية، وصولاً إلى حناء الشعر.
وارتبط استخدام هذه المسائل التجميلية بطقوس بعضها له علاقة بالمعتقدات التي سادت في تلك الأوقات، ولكن حتى بعيدًا عن الأسباب الطقوسية، كما هو حال النساء في الحضارتين الفرعونية والإغريقية، نجد أن المرأة بقيت تنشد الجمال في إطلالاتها على مدى العصور حتى عصرنا هذا.
ومع تقدم الوقت لقيت معايير الجمال المثالية المتشبثة بفكرة الإطلالة الشابة والصحية اهتمامًا خاصًا من التجار الأذكياء الذين روجوا لها بشكل كبير، مستغلين بذلك حاجة المرأة لإشباع رغبتها من كل ما يمكن أن يُظهرها بالشكل الأنيق واللافت.
سوق رابحة
هذه السوق الرابحة في إطار العناية بالجمال قفزت قفزة نوعية وسريعة حتى وصلت إلى حد تغيير الهيئة والملامح وحتى الجسد، فلم تعد هنالك خشية من حالة زيادة الوزن المفرطة أمام عمليات التكميم وجراحات السمنة، التي يمكن أن تجعل من المرأة البدينة سيدة فاتنة بجسد مرتب ومتناسق، وما زالت تلك العمليات تسجل حضورًا كبيرًا في تجميل الأنف وفيلر الشفة ورفع الخدود وغيرها من العمليات التجميلية التي باتت متاحة بأقساط ميسرة.
يقول أحمد مرزوق، وهو الذي التقته «الوطن» خلال مرافقته لابنته الراغبة بالحصول على خدمة تجميل للأسنان «توفر الخدمات التجميلية بالتقسيط والإعلانات التسويقية لكثير من العروض والخصومات رفع من نسبة المستفيدين من جانب، لكنه سبب ضغطًا كبيرًا على الميزانية المالية الأسرية من جانب آخر».
وأضاف «يعد البهض هذه المسائل التجميلية من الأولويات المعيشية كما هو حال سداد الفواتير الشهرية، والإيجارات، والالتزامات العائلية، حتى إن البعض بات يدخر من راتبه ليستكمل المبلغ المطلوب للخدمة التجميلية التي تحتاجها زوجته أو ابنته، ولنا في ليزر إزالة الشعر شاهدًا على ذلك، ففي فترة قصيرة كسبت هذه الخدمة قلوب السيدات اللواتي وجدنها بديلا ممتازًا عن الطرق التقليدية لإزالة شعر الجسم، وقلما نجد منزلاً لم تجرب نساؤه هذه الخدمة، ومثلها ابتسامة بوليود «خدمة تجميلية للأسنان»، وعلى اعتبار أنها متطلبات طبيعية في ظل التغيرات التقنية والصحية فلا إشكال عليها، إلا أن بعض الخدمات أخذت منحى آخر مبالغ فيه مثل استخدام إبر النضارة للبشرة، وعمليات شد الوجه، ونفخ الشفتين وبوتكس إزالة التجاعيد، التي يفترض ألا تكون بذات أهمية مستلزمات الحياة، وهذا ما صعّب الأمرعلى عائل الأسرة المطالب بادخار بعض المال لضمان مستقبل أفضل لعائلته، أمام هذا الاستنزاف المادي».
الشعور بالثقة
زينب فيصل كان لها رأيٌ آخر، وذكرت أن المرأة استثمرت خلاصة تجارب وخبرات المختصين بجمال البشرة والعناية بالجسم لتسجل اهتمامًا مميزًا بأناقة ملبسها، وجمال هيأتها، وحتى جسمها لترضي ذاتها أولاً، وهذا ينعكس على ثقتها بنفسها أكثر، ولفتت إلى أن «المرأة العاملة قادرة على دفع تكاليف عملياتها التجميلية وشراء مستحضراتها، أما المرأة التي لا تعمل فيمكنها أن تستغل فرص العروض والخصومات التي تعلن عنها المراكز من وقت إلى آخر لتحصل على خدمة بأسعار مناسبة، أو يمكن أن تحصل عليها بالتقسيط».
تكاليف ميسرة
في موضوع التكلفة المالية للخدمات التجميلية، تقول زهراء حبيب، موظفة في عيادة تجميل، إن «قيمة إبرة الفيلر 1 مل قد تتجاوز الـ1200 ريال، وبوتكس للوجه كامل يكلف 1650 ريالا، وجلسة فراكشنال ليزر تجديد البشرة بـ650 ريالا، فيما تبلغ قيمة جلسة هيدرافيشيال للمعالجة العميقة للبشرة 550 ريالا، وتكلف جلسة تقشير وجه وحواجب 300 ريال، كما أن جلسة نظارة مع تفتيح وتوريد للبشرة قد تصل إلى 500 ريال».
وعلقت «المرأة التي تنشد الجمال لا ترى في هذه الأسعار تكلفة باهضة، كما لا تجد فيها صعوبة تمنعها من القيام بذلك، إنها أسعار في متناول الجميع مع اختلاف الفئات في مسألة الدخل».
هوس يصل إلى الإدمان
بدورها، اعترضت خيرية الحكيم، مختصة بالتثقيف الغذائي، على تركيز النساء في موضوع التجميل على ما تقدمه العيادات، وقالت «يمكن للمرأة أن تلجأ إلى الرياضة والغذاء الصحي لتحصل على الجمال بصورة طبيعية أكثر وصحية في ذات الوقت».
ونوهت إلى أنه «للأسف كثيرات اتجهن إلى العيادات التجميلية تكاسلاً منهن عن ممارسة رياضة المشي، أو تجهيز أكل صحي في المنزل، معتمدات على وجبات المطاعم».
واستدركت «لا يوجد أفضل من كون المرأة على طبيعتها وسجيتها، وعليها أن تثق بنفسها وجمالها الرباني أكثر، ومعالجة مسببات اللجوء لهذه الأمور الزائفة كوضعها المكياج بشكل مستمر، واستخدامها المزمن لخلطات الأعشاب، أو حاجتها المستمرة لتغيير شيء ما في شكلها، علمًا أن هذه الخدمات التجميلية قد تصل إلى حالة الإدمان النفسي في كل مرة تنظر فيها للمرآة، إذ أنها ستجد في شكلها ما تعتقده عيبًا، ويحتاج لتصحيح، وتحسين، وتجميل، وهذا بحد ذاته مرض وهوس».
وأكدت أن خدمات التجميل وعملياته مهمة لمن يعاني تشوهًا أو يحتاج إلى تقويم جزء من جسده ليبقى سليمًا معافى بشكل مقبول، وطالبت بإعادة النظر في أسعار خدمات المشاغل والمراكز الرياضية لتحصل المرأة على خدمات طبيعية أفضل من التدخل التكنولوجي.
ارتفاع الأسعار
تعليقًا على ارتفاع أسعار المشاغل والأندية النسائية تقول رملة قاسم «على الرغم من تقارب المشهد، والتوافق في الغاية بين جلوس الرجل على كرسي الحلاقة وذهاب المرأة إلى المشغل النسائي، طلبًا للزينة إلا أن نظرة واحدة لفاتورة الخدمة تضعك أمام الفارق المهول في الحالتين، إذ أن سعي النساء نحو الجمال بات سلعة باهظة الثمن مع ما يشهده عالم الزينة النسائي من غلاء فاحش غير مبرر».
وأكملت «الأمر لا يقف عند حد المشاغل النسائية ومراكز الحلاقة الرجالية، بل تجاوزها إلى مراكز الأندية البدنية واللياقية، حيث إن سعر اشتراك الرجل لا يبلغ نصف قيمة اشتراك النساء في أي ناد رياضي».
أرقام لافتة
تتراوح تكلفة حلاقة الرجل لحية وذقن وشعر بين 50 - 70 ريالا في الحد الأعلى، فيما تصل قيمة حف الوجه كاملاً للمرأة باستخدام الخيط إلى 100 ريال، وإذا كان بالشمع فقد تصل إلى 150 ريالا. أما بالنسبة إلى المراكز فإن اشتراك المرأة في الصالات الرياضية النسائية يصل إلى 10 آلاف في السنة بدون مدربة متخصصة.