الحديث عن المدرسة السلمانية العريقة يلهم العقول، ولا يمكن استيعاب أصولها وملامحها ومزاياها في مقال أو اثنين، بل يحتاج بسطها إلى مجلدات، فهي مدرسة فريدة في الإدارة والحكم، والعدل والإنصاف، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم، والثقافة والتاريخ، والعمارة والبناء، ولا غرابة، فبانيها وقائدها هو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله ورعاه، الذي أمضى في الإدارة والحكم ما يزيد على سبعة عقود، تولى خلالها مناصب قيادية بدءا بإمارة منطقة الرياض، التي أمضى فيها ما يزيد على خمسين عاما رسخ من خلالها دعائم الحكم والإدارة والعدل والإنصاف، حتى توليه وزارة الدفاع وولاية العهد، ومبايعته ملكا للمملكة العربية السعودية في 3 ربيع الثاني 1436.

من أبرز ملامح المدرسة السلمانية القوة في الحكم، والحزم في الإدارة، والانضباط في العمل، والالتزام بالوقت؛ مما أكسبها مهابة ومحبة وتميزا، فبين الملك سلمان وأهل الرياض قصة تناغم عريقة ومتينة، وكانت مقولة «والله لأشتكيك عند سلمان» بمنزلة أقوى سلاح يستخدمه صاحب الحق لنيل حقه، ومنع الظلم إن وقع عليه.

المدرسة «السلمانية» العريقة رسخت آثارها في نفوس المواطنين والمقيمين عدلا وحزما وحكمة، وأصبحت نبراسا يُحتذى به في المدارس الإدارية مهما اختلفت وتنوعت مصادرها ومنابعها، فهي مدرسة قامت على أساس العدل، واحترام صاحب الحق، وفتح أبواب المسؤولين، بدءا من رأس الهرم حتى أصغر موظف، لجميع أهالي المنطقة، والاستماع لشكاواهم بلا استثناء حتى لو كان الخصم مسؤولا في الإمارة.


كما لعبت المدرسة السلمانية دورا حيويا وبارزا في مجال التمدن والعمارة والبناء، وما شهدته منطقة الرياض عموما، ومدينة الرياض خصوصا، في عهد الملك سلمان من نهضة تنموية وعمرانية لا مثيل لها في تاريخ الجزيرة العربية ليس إلا أثرا من آثار هذه المدرسة، التي تمثلت في حسن الإدارة والتخطيط، وبناء شبكة طرق سريعة بمعايير عالمية، وأحياء سكنية حديثة، ومراكز حكومية وتعليمية وطبية وخدمية، وجامعات وكليات حديثة منتشرة في أرجاء العاصمة، حتى غدت الرياض عاصمة يضرب بها المثل سعة ونموا وتحضرا، ومركزا للحضارة السعودية الحديثة التي تتخذ من «العمارة السلمانية» عنوانا تتميز بها مبانيها العريقة والحديثة، وأصبحت الرياض وضواحيها الوجهة المفضلة الأولى للمواطنين والمقيمين، فضلا عن كونها عاصمة القرار العربي والإسلامي.

لا تقف خصائص المدرسة السلمانية عند هذا الحد، فهي مدرسة عُرفت بالعناية بالعلوم الشرعية والتاريخية والثقافية والصحافة والإعلام، ومن آثارها تلك المجالس العامرة التي تحكي قصص العلاقة الوطيدة بين مؤسسة الحكم السلماني وبين العلماء والنخب من جميع العلوم والفنون، الذين شهدوا بسعة علم الملك سلمان بالتاريخ والأنساب حتى وصف بكونه أكبر قارئ للتاريخ، إلى جانب معرفته الدقيقة بالعلوم الشرعية والثقافة. كما نمت في عهده وترعرعت مؤسسات علمية مثل «دارة الملك عبدالعزيز»، التي أصبحت مرجعا أساسيا لتاريخ المملكة العربية السعودية وتراثها من خلال المحافظة على المعرفة التاريخية، وتعزيزها محليًا ودوليًا.

ولا غرابة أن تعم آثار هذا النهج الرشيد للمدرسة السلمانية أرجاء المملكة بعد تولي الملك سلمان مقاليد الحكم، الذي شهدت المملكة فيه إصلاحات إدارية وتغييرات جذرية في السياسة الداخلية والخارجية والاقتصاد، اتسمت بالحنكة الإدارية والذاكرة الحديدية والحزم العادل ومحاربة الفساد؛ لإحقاق الحق ورد المظالم وإعادة الحقوق لأهلها، وغدت المملكة اليوم محط أنظار العالم، لما تشهده من نهضة تنموية وعمرانية لا مثيل لها في ظل رؤية المملكة 2030.

ومن أعظم مآثر المدرسة السلمانية العريقة هي الشخصية القيادية الفريدة لسمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي حظي بعناية سلمانية فائقة، جعلت منه فارسا لا يشق له غبار في مجال السياسة والإدارة والحكم والحوكمة والاقتصاد، وحقق منجزات عظيمة للمملكة في فترة قياسية قصيرة في جميع المجالات، وسما بالمملكة فوق مصاف الدول الأكثر تنمية وازدهارا.

ولا ينتهي الحديث عن المدرسة السلمانية العريقة ومآثرها العظيمة على المملكة وشعبها وعلى العالمين العربي والإسلامي عند هذا الحد، فهي كما سبق ذكره بحاجة إلى مجلدات، ولكنها ملامح يسيرة أحببت إبرازها لعلها تكون مفتاحا للباحثين والكتاب لتدوين معالم المدرسة السلمانية العريقة، التي تعتبر بحق نهجا متينا وأنموذجا مثاليا ودستورا قويما يجب العمل به، وتطبيقه على أرض الواقع في جميع المجالات والقطاعات.