وازدهرت سوف الفيب باعتبارها بديلا للتدخين التقليدي، إلا أن الشبهات والشكوك بدأت تحوم بشكل كبير حولها وحول مدى أمانها، واحتمال أن تكون منزلقًا خطرًا وبوابة خادعة للزج بالناشئة والشباب من أبناء الوطن إلى عالم المخدرات.
وأثار الإعلام العربي والخليجي هذه المخاوف بعد أن رصدت جهات رسمية ضبطيات لعمليات تهريب وترويج لسجائر إلكترونية مزودة بمخدرات مهندسة مخبريًا لتتناسب مع شكل وطريقة استخدام هذا النوع من السجائر، وذلك بهدف نشر المخدرات بشكل أوسع، بحيث تحتوي كل سيجارة منها على جرعات من سوائل مخدرة، أو مادة زيت الحشيش، كما تناقلتها الوسائل الإعلامية.
ارتفاع مستوى القلق
ارتفع مستوى القلق المجتمعي السعودي مع زيادة انتشار هذه الأخبار خوفًا من انتقال هذه الظاهرة المرعبة إلى المملكة، واستغلال الفيب لتحويلها إلى مؤثرات عقلية، تستهدف الشباب، ما يحتم اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لمنع تداول هذه السجائر والشيش، ورفع مستوى الوعي المجتمعي خصوصًا لدى الأهل لمتابعة ومراقبة كل ما يقع بين أيدي أبنائهم منها.
تجارب خليجية
في مارس الماضي نشر الإعلام البحريني خبراً عن إدانة طالب جامعي تم القبض عليه بتهمة استيراد سوائل مخدرة لاستخدامها في السجائر الإلكترونية، وحكم عليه بالسجن 10 سنوات والغرامة 5 آلاف دينار.
وفي تفاصيل القضية تبين أن المتهم استورد المادة المخدرة بمساعدة آسيوي، حيث عبئت المادة في 3 علب شامبو أطفال، لكن تبين فيما بعد أنها مادة سائلة تستخدم في السيجارة الإلكترونية، على أن يبيع رأس السيجارة الواحدة بـ10 دنانير بحرينية أي ما يعادل قرابة الـ100 ريال سعودي.
وفي الإمارات، أعلن عن اكتشاف ظاهرة جديدة، وهي استحداث خلطات للمخدرات السائلة المستخدمة في السجائر الإلكترونية، وارتفاع عدد القضايا من هذا النوع، وأشارت صحف في دبي نقلًا عن إدارة مكافحة المخدرات إلى أن اكتشاف المخدر عندما يكون سائلاً يتطلب جهداً أكبر، نظرًا لخلطه بمنكهات وروائح مختلفة.
وفي الكويت، كشفت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات عن إحباط عملية ضخ 300 سيجارة إلكترونية تحتوي على ماريجوانا وحشيش (من النوع السائل)، واعترف المتهم باستيراده هذه المواد من الولايات المتحدة الأمريكية عبر طريق الشحن الجوي، كاشفًا اللثام عن عمليات سابقة لادخال وبيع المخدرات بنفس الطريقة.
حكاية أخرى
تجاوزت المشكلة البلدان الخليجية، وانتشرت أوسع في بلدان الشرق الأوسط، ففي العراق أبدت وزارة الصحة تخوفاً من انتشار المخدرات في السجائر الإلكترونية، مطالبة بحظر تلك السجائر لما تسببه من أضرار بعد ورود كثير من الشكاوى.
وأوضحت صحة العراق أن السجائر الإلكترونية أو ما يطلق عليها «الفيب» تلقى إقبالًا واسعًا من الشباب والنساء، معربةً عن خشيتها من استغلال الشيشة الإلكترونية لتكون مصدرًا لنشر المخدرات بين الشباب، نظرًا لوجود كبسولة تضم سائلاً معيناً، ولا توجد أي ضمانات بألا يكون هذا السائل نوعًا من أنواع المخدرات.
رقابة شديدة
من جهته، أوضح الاختصاصي بالتأهيل عن الإدمان في مجمع «إرادة» بشير السهوان لـ«الوطن» أن المجال بات ضيقًا جدًا أمام إدخال المخدرات إلى المملكة في ظل حملات المكافحة المكثفة بشكل كبير، حيث يتم الإعلان دائمًا عن عمليات ضبطها وكشفها، بما فيها إدخال المخدرات الفيب بما فيه السجائر والشيشة الإلكترونية.
واستدرك «هذا لا ينفي رواج المخدرات عبر الفيب في عدد من الدول بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبعض الدول الأوروبية، أما في المملكة فالوضع مريح في ظل الرقابة الشديدة جدًا، بالرغم من وجود بعض المحاولات الفردية التي غالبًا ما تفشل».
ترغيب وترهيب
يبدي المختص في تأهيل المدمنين فيصل العجيان استغرابه من الابتكارات الجديدة المستهدفة للشباب السعودي، ومحاولات إيقاعهم في فك المخدرات القاتل، ومع ذلك فقد لفت إلى أن معدل انتشار السجائر الإلكترونية غير مطمئن ومثير للقلق، وعلق أن «الأشكال المثيرة والتصاميم المتنوعة للسجائر بهدف ترغيب وجذب الشباب لاستخدام هذه السجائر تعد عاملًا خطرًا، يحتاج إلى رفع المستوى الرقابي من الأهل أولًا قبل أي جهة أخرى».
بدورها، توجهت «الوطن» إلى الإدارة العامة لمكافحة المخدرات للكشف عن أي معطيات حول هذه الظاهرة، لكنها لم تتلق أي رد.
إحصائيات
كشفت إحصائية لمشروع «شارك» لصحة المجتمع، عن ارتفاع نسبة تدخين السجائر الإلكترونية في المملكة بشكل يومي، وبلغت في الربع الرابع لعام 2022 نحو 7.7%، مرتفعة عن الربع الثالث (5.8%)، فيما انخفض استخدام السجائر التقليدية إلى 9.7%، كما انخفضت نسبة مستهلكي الشيشة العادية إلى 5.3%.
مفاهيم خاطئة
في دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن في الرياض، بمشاركة 353 مشاركًا من الجنسين، تناول استبيان معلومات حول السجائر الإلكترونية، وما هي تصورات المشاركين عنها في مدة زمنية تتراوح بين سبتمبر 2023 ومايو 2024.
و أظهرت النتائج أن 31.20% من المشاركين يستخدمون السجائر الإلكترونية، وأن غالبية المشاركين (79.09%) لديهم معرفة جيدة - بحسب الدراسة- بمكونات السجائر الإلكترونية ومخاطرها الصحية، كما أن معظم المستخدمين للسجائر الإلكترونية يرونها أقل ضررًا وأقل إدمانًا من السجائر التقليدية، ويعتبرونها وسيلة مساعدة في الإقلاع عن التدخين.
ومع ذلك خلصت النتائج البحثية ورفعت التوصيات إلى وجود حاجة لتطوير برامج تستهدف الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و22 عامًا لمعالجة المفاهيم الخاطئة وتسليط الضوء على الآثار الضارة للتدخين الإلكتروني بهدف تغيير التصورات وتقليل انتشاره في هذه الفئة العمرية.