خلال العقود الأخيرة ظهرت وجهات نظر جديدة حول القيادة الأكاديمية إلى جانب طرق جديدة لتنظيم هيكل صناعة القرار، ومن المعلوم سلفًا إن للعميد مجموعة واسعة من المسؤوليات والمهام داخل الكلية التي يقودونها، تشمل الحوكمة الإدارية والتنظيمية داخل الكلية بما في ذلك تنفيذ السياسات والإجراءات والقوانين، ومتابعة تنفيذ رؤية الكلية والمحافظة على رسالتها، والإشراف على أهداف البرامج العامة، واتخاذ القرارات بشأن أعضاء هيئة التدريس، والمسؤولية عن البرامج الأكاديمية وخططها وتطويرها. وهذه المهام والصلاحيات أساسية لا جدال فيها، ولكن لا يفترض تجاهل أدوار الدعم والتعزيز للحفاظ على حقوق الطلبة لتكون أصل مهام العميد. حيث إن من الصفات الواجب توافرها بالعميد في العصر الحديث في ظل تطور الجامعات وأنظمتها، هي القدرة على التواصل الفعّال وتحمل ضغوط العمل ومهارات الذكاء العاطفي والاجتماعي، وغياب هذه المهارات عن العمداء سوف يقود هذا المنصب ليكون من ضمن مهام الذكاء الاصطناعي قريبًا. لذلك يجب على الجامعات والقيادات المَعنيَّة تقديم الدعم الشامل للعميد في عمله ومهامه، وضمان الحوافز الكاملة لهذا المنصب للمساعدة في تقديم خدمات مستدامة للطلبة وللكلية وأعضائها.
عميد الكلية الأكاديمية هو فعليًا عميدًا للطلبة، وهو دور قيادي موجه نحو الخدمة المقدمة لهم، وعادة ما يكون هو القائد والمدافع عن الطلبة جميعهم والموجه لتحسين قدراتهم وسير دراستهم.
ويفترض أن يكون مرشدًا للطلبة متعاطفًا معهم، ويشرف على السياسات الأكاديمية المتعلقة بالطلبة على وجه مباشر، ومشرفًا على العمليات الإجرائية عندما تنشأ مشكلات مع الطلبة. علاوة على ذلك، يفترض على العميد أن يُكوُّن علاقات إيجابية بأعضاء هيئة التدريس والموظفين والدوائر الخارجية لغاية واحدة وهي تقديم الدعم اللازم للمستهدف النهائي في العملية التعليمية وهو الطالب، ويجب أن يتفاعل العميد عمومًا مع رؤساء الأقسام ومديري البرامج أو التخصصات للتنسيق بشأن الاستراتيجيات التي تؤثر في الطلبة داخل القاعة الدراسية وخارجها.
كما أن التوصيات العالمية تحث العميد على مشاركة الطلبة عند استحداث هُويَّة الكلية ورؤيتها وأهدافها، لتشكيل ثقافة تعليمية وإدارية مُرحَّب بها وشاملة. وعلى جانب آخر، عضو هيئة التدريس الذي يقوم بمهام التدريس في الجامعات والكليات، هو يتصف بمسؤوليات القاضي، الذي يحكم بين الطلبة عدلًا، وذلك عبر منح الدرجات والمعدل وصلاحية الاجتياز من عدمها في المقررات الدراسية. كما يجب أن يكون عادلًا بالتعامل بين الطلبة، وأن يضع حدودًا في التعامل معه، مما لا يؤثر في مهامه الرئيسية، التي تتمثل في التدريس ووضع الاختبار ومنح الدرجات، والابتعاد عن الانحياز تجاه مجموعات الطلبة أو المقررات مهما كانت الظروف المحيطة بالطلبة.
وذكر الكاتبان ميشيل فيريول وجاريد لاكي في صحيفة The Harvard Crimson:( من الممكن تصنيف التعامل الإجرائي مع الطلبة في الكليات على مستويين اثنين، المستوى الأول هو مستوى تعامل القسم أو البرنامج الأكاديمي، وفيهم رئيس القسم/مدير البرنامج وأعضاء هيئة التدريس، وهنا يكون التعامل فيه مباشرًا وبحدود واضحة وعادلة ودون تمييز بين الطلبة في الحالات الأكاديمية والاجتماعية والمالية وغيرها. المستوى الثاني هو مستوى إدارة الكلية، وفيهم العميد ووكلاء الكلية، ويكون هنا التعامل عاطفيًا داعمًا بناءً على الاحتياجات الفردية للطلبة، ويكون التعامل في هذه الحالة عادلًا؛ لأن التعامل هنا يكون صادرًا من جهة واحدة لجميع طلبة الكلية، ولن يكون تمييز بين طلبة الأقسام أو المقررات الدراسية).
ومن نتائج هذا التصنيف في التعامل، لن يكون هناك اختلاف في التعامل بين طلبة الكلية في تقدير احتياجاتهم وظروفهم ودعمهم بناءً على اجتهادات فردية من عضو هيئة التدريس أو رئيس قسم. كما يمكن تنظيم عمل العميد على نموذجين مُتسِقيْن بعضهما ببعض:
الأول هو نموذج الكلية الإدارية، ويختص بالحوكمة ومتابعة أعضاء هيئة التدريس ووحدات الكلية واحتياجاتها وتمثيل الكلية عند الجامعة أو المجتمع، وهنا قد تفوض بعض الصلاحيات لآخرين.
النموذج الآخر هو نموذج الكلية التعليمية، ويختص بالشؤون الأكاديمية للطلبة والتواصل والدعم المستمر الموجه إلى الطلبة، ولا يستحسن تفويض هذه المهام، ولكن قد تكون بالتعاون والتفاهم مع وكيل الكلية المختص.
وعلى ما سبق، يجب ألا يكون العميد بمعزل عن حياة طلبة الكلية من جميع الجوانب الأكاديمية والاجتماعية والنفسية، وألا يكون منصبه تشريفيًا لتكريم الطلبة وحضور اللقاءات الطلابية السنوية، أو زيارات معدودة للاختبارات والأنشطة والفعاليات الطلابية. ومن المقترح أن يخصص العميد وقتًا شبه يومي للطلبة للاستماع لهم على نحو فردي إن لزم الأمر، فَهُم الانعكاس الفعلي للعملية التعليمية داخل الكلية، ولأن الكثير من الطلبة المميزين، أو ممن يحتاجون إلى الدعم الأكاديمي والنفسي والاجتماعي يحتاجون زيادة الثقة المستمدة من قيادة الكلية، ما يؤدي بالنهاية لزيادة انتماء الطلبة للكلية، وتحسين أدائهم، وزيادة الثقة وتعزيز مهاراتهم وقدراتهم.