أحيل مؤخرًا عددٌ من المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي إلى الجهات المختصة، حيث أعلنوا عن تبرعات لجمعيات أهلية دون توضيح منهم لحقيقة ما عرضوه هل هو مادة إعلانية مدفوعة أو غير مدفوعة، وثار الجدل في وسائل التواصل حول الجمعيات الخيرية، والجهات المعلنة عنها، وهو ما يدفع إلى تقييم جاد لتجربة الجمعيات الخيرية، مع إدراك حساسية هذا الملف، فكما أنَّ الجمعيات الخيرية مرتبطة بلحمة المجتمع، وتحقيق التكافل فيه، فهي مرتبطة كذلك بأمن المجتمع، ومحاربة الفساد فيه.

وتعتمد الجمعيات الخيرية على الباعث الديني الذي يدفع الناس إلى إخراج صدقات أموالهم إليها، حتى توصلها إلى الشريحة المستهدفة، لذا كانت على قائمة الأهداف الحيوية للجماعات المتطرفة على تنوعها، لأنها تجمُّع لأموال المتبرعين على اختلافهم، فإن لم تكن فوقها رقابة تامة، بما يمنحها المصداقية والشفافية، فإنَّ هذا قد يجلب مشكلات كبرى، وسبق للمجتمع أن عرف كيف كانت العديد من الجمعيات تنفق على غير ما أريد لها، وعلى غير نية المتبرعين، وبما لم يحقق التكافل في المجتمع، بل بما يسهم في نقيضه.

إذ عرفت المنطقة العربية تغوَّل الجماعات المتطرِّفة في الماضي وعلى رأسها جماعة الإخوان في المجتمع، وكان لهذه الجماعات الحزبية جناحان تعتمد عليهما للانتشار في المجتمع، ببثِّ أيدلوجيتها وتحقيق التمويل وضم الأعضاء الجدد، فالجناح الأول كان الجمعيات ففيها كانوا يحصِّلون التمويل، بما يدعم طباعة كتبهم الخاصَّة، والوصول إلى رأسمال للاستثمار في مشاريع أخرى، قد تكون بعيدة عن الدولة التي ينشئون الجمعيات فيها أو يخترقونها.


والجناح الثاني المدارس والجامعات، وفيها يدعمون بعض الطلبة ممن يؤملون فيهم أن يضحوا من عناصرهم النشطة، ويوزعون كتبهم، ويمولون بعثات ونحو ذلك، بما يظهر اعتماد تلك الجماعات على الجمعيات في تحركاتها بصورة رئيسية، ومن هنا تظهر أهمية الجمعيات وأنها بالغة الحساسية، كونها قد تعين المجتمع أو قد تساهم في مشكلات كبرى فيه.

ونحن في عهد خادم الحرمين، وولي عهده الأمين قد قطعنا شوطًا كبيرًا في التضييق على تلك الجماعات، ومحاربة الفساد، ولا تزال المسيرة مستمرة، وحرصًا عليها فإنِّ المرونة بالانفتاح على مختلف الاقتراحات يجب أن يكون حاضرًا في كل حين، وهي التي يكون الغرض منها المساعدة في تحقيق رسالة الجمعيات الخيرية، وأرى اقتراحًا يترشح على غيره في موضوع الجمعيات بأن يتم وضعها تحت إدارة وإشراف وزارة الشؤون الإسلامية، لأسباب عديدة أقتصر في هذا المقال على أهمها.

فمنها أنَّ الوزارة فيها من الكفاءات الشرعية ما يساعد في رفع كفاءة الجمعيات، بالحث على الإنفاق في أوجه الخير، وقد عرف الجميع ما في الوزارة من اتزان في الخطاب، ووسطية في الطرح، ووجود طلبة علم شرعي على تواصل مع المجتمع، بما يسهم في حلِّ ما قد يسأل فيه المتبرعون من أسئلة شرعية متعلِّقة بإنفاقهم، وعندما تكون الجمعيات تحت إدارة الوزارة فإنَّ هذا يسهل عليها إصدار النشرات التعريفية، والتوعوية، والشرعية بهذا الخصوص، بما يسهل أعمال الجمعيات.

كما أنَّ الوزارة سبق أن عملت على محاربة التطرف، وهذا الملف لا ينبغي إغفاله أو التهوين منه، فمن المعلوم أنَّ الجماعات المتطرفة تغير من أنماطها المعهودة في الوصول إلى المجتمعات، فهي اليوم مع وسائل التواصل تنبعث بطرق جديدة، وتسعى للتواصل مع الناس عبر الإنترنت، وبهذا يتضح أنَّ كل حلقة فساد في الجمعيات قد ينشأ عنها خطر أمني وفكري لاحق، وبهذا فإنَّ وجود متخصصين لهم سابقة تجربة في محاربة الجماعات المتطرفة، وقدرة عالية على تشخيصهم من خطابهم، وما يبثونه من أفكار، وقدرة على تقييم العاملين، في موضع الإدارة والإشراف فإنَّ هذا يكون في مصلحة الجمعيات والمجتمع.

وقد كان وزير الشؤون الإسلامية الدكتور عبداللطيف آل الشيخ قد أمضى من عمره زمنًا في متابعة محاربة التطرف حتى تحقق ما هو مشهود معاين، كما أنَّه بنفسه تابع ملفات فساد كانت قد انتشرت في الوزارة، فأضحى من الميسور تصوّره أنَّ الوزارة عندها خبرة عالية في معرفة التوجهات الفكرية والأيدلوجية والتعامل معها، بما يجعلها مؤهلة لإقامة سدٍّ منيع في وجه استغلال الجمعيات أمام أي جهة مشبوهة، وهذا يشمل قدرتها على معرفة توجهات المعلنين، وطبيعة الإعلانات، وما يبث فيها، وتقييمها بطريقة سويّة.