يقول الفيلسوف الإغريقي هرقليطس «إنك لا تخطو في النهر الواحد مرتين، فلا أنت نفس الشخص الأول ولا النهر نفسه كذلك».

تشكو إحدى الفتيات من تشدد أسرتها في التحاقها بوظائف مختلطة، وتشكو أخرى من رفض والدها تزويجها إلا لرجل من قبيلتها، كما تشكو سيدة من رفض زوجها أن تقود السيارة رغم احتياجها.

صحيح أن القوانين واضحة ناجزة في مسائل كهذه، لكننا لا نزال في الواقع بحاجة لتشريح سوسيولوجي دقيق لمثل هذه الحالات.


يتغير المجتمع السعودي اليوم بشكل لم يسبق له مثيل عبر تاريخه. يلمس الجميع هذا وإن كنا نتفاوت في فهم هذا التغير على مستويات مختلفة، وربما يكون هذا التفاوت في إدراك التغير هو ذاته جزء من مشهد التغير القادم.

في علم الاجتماع تتعدد النظريات حول مفهوم التغير الاجتماعي، كما تتعدد القراءات حول العوامل المؤدية لهذه الظاهرة وتأثرها بالأفكار البشرية والاتجاهات السياسية وأدوات الإنتاج وأنماط المعرفة بل وارتباطها كذلك بالحوادث العشوائية كالمناخ والتغير الجيولوجي والأوبئة.

لكن في نهاية المطاف علينا أن نتفق على أن التغير هو نمط لازم لوجود أي تجمع إنساني، كما أنه بالضرورة سير للأمام لا يتراجع وإن تقادمت مظاهره، ذلك أن كل جزء من مسار التغير يمهد للجزء اللاحق ويتصل به.

واحدة من أهم الإشكاليات في مجتمعنا هي عدم فهم طبيعة هذا التغير وإنه جزء من صيرورة كونية لا نتفرد بها عن العالم وإن كنا نعترف بخصوصية الحالة السعودية في هذا الأمر. حيث اختصرنا في أقل من عقد زمني تغيرات احتاجت إلى أجيال في أمم أخرى.

في السعودية تغيرت بوصلة الاقتصاد، وانتعشت قطاعات السياحة والترفيه وترافق هذا مع انفتاح ثقافي ومع تفكيك للنمط الأيديولوجي الذي كان يرى ضرورة تبني فكرة واحدة تمثل الصواب الأوحد إلى أنماط تقبل تعددية الآراء وفردانية الاعتقادات.

كما تغير وضع المرأة واعتدلت التشريعات الخاصة بها فحصلت على مساحتها الطبيعية في الحياة العامة وفي كثير من مجالات الأعمال.

ومن جهة أخرى تغيرت عدد من الأنظمة المتعلقة بالتعليم والمهن والتجارة وغير ذلك مما يتقاطع بشكل مستمر مع المجتمع ويخلق علاقات تفاعل مختلفة تماما عما كنا عليه.

إضافة إلى ما سبق فنحن واقعون أيضًا تحت عوامل عالمية كمؤشرات الأسواق وأنماط الرعاية الصحية والتكنولوجيا والثقافات العابرة والتحولات الناتجة عن النمو السكاني وتأخر سن الزواج وتخلخل التقاليد الشعوبية أمام موجات العولمة.

إننا ونحن نستعرض طبيعة التغير الاجتماعي، نؤكد أهمية تأصيل مبدأ التقبل كخطوة أولى لاستثمار التغيير لصناعة واقع أكثر جودة ووفرة لأجيالنا، والتأمل في مقاربات توافقية واعية تحمي مصلحة الفرد وتمكنه من حقوقه الإنسانية وتهيئه للانسجام مع مستقبل مختلف.

ختامًا.. إن القيمة الكبرى هنا هي الوقت، فكل تأخير في مواكبة التغير الاجتماعي سيخلق معاناة ما لشخص ما سيدركها بعد فوات الأوان.