تسلط دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة بنسلفانيا وجامعة برينستون الضوء على الصلة بين السمعة والأعراف الاجتماعية والسلوك التعاوني.

وتستكشف الدراسة التي نُشرت في وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم كيف تحكم المجموعات المختلفة داخل المجتمع على سلوك بعضها البعض، وكيف تتطور هذه الأحكام بمرور الوقت. وباستخدام النماذج الرياضية قام الباحثون بمحاكاة سيناريوهات مختلفة لفهم كيفية ظهور التعاون واستمراره في مجموعات سكانية كبيرة.

مجموعات مختلفة


تخيل مجتمعاً منقسماً إلى عدة «مجموعات ثرثارة» ـ مجموعات من الناس يتشاركون في وجهات نظر متشابهة بشأن سمعة الآخرين. وقد تمثل هذه المجموعات دوائر اجتماعية مختلفة، أو خلفيات ثقافية، أو حتى مجتمعات على شبكة الإنترنت. وتتبع كل مجموعة مجموعة خاصة بها من القواعد، أو «المعايير الاجتماعية»، للحكم على السلوك باعتباره جيداً أو سيئاً.

ووجد الباحثون أنه عندما توجد مجموعات متعددة من النميمة، يصبح من الصعب على المجتمع ككل الحفاظ على مستويات عالية من التعاون. وذلك لأن المجموعات المختلفة قد تختلف حول من لديه سمعة جيدة أو سيئة، مما يؤدي إلى الارتباك وقلة التعاون المتبادل بين المجموعات.

ظاهرة مثيرة

ولكن الدراسة تكشف أيضاً عن ظاهرة مثيرة للاهتمام: فمع مرور الوقت، تميل قاعدة اجتماعية معينة إلى التفوق على غيرها والهيمنة على السكان بالكامل. وتتخذ هذه القاعدة الفائزة، التي يطلق عليها «الحكم الصارم»، موقفاً صارماً فيما يتصل بالسمعة. فهي لا تكافئ فقط أولئك الذين يتعاونون مع أفراد يتمتعون بسمعة طيبة، بل إنها توافق أيضاً على أولئك الذين يرفضون التعاون مع أفراد يعتبرون سيئي السمعة.

وأوضح الباحثون أن نجاح الأحكام الصارمة يسلط الضوء على جانب مثير للاهتمام من الطبيعة البشرية: يبدو أننا نقدر ليس فقط التعاون في حد ذاته، بل وأيضاً القدرة على التمييز في حجب التعاون عن أولئك الذين لا يستحقونه. وتخلق هذه القاعدة حافزاً قوياً للأفراد للحفاظ على السمعة الطيبة، في حين تصبح عواقب السمعة السيئة أكثر شدة.

الأكثر فعالية

وفي بيان، أوضح تايلور كيسنجر، الباحث المشارك في الدراسة والباحث في قسم الأحياء في جامعة بنسلفانيا: «لقد برز الحكم الصارم باعتباره القاعدة الأكثر فعالية بين القواعد التي قمنا بتقييمها. وقد نجح ذلك بشكل خاص عندما فضل الأفراد التفاعل داخل مجموعاتهم الخاصة. وعزز هذا المعيار، الذي يؤكد على الحذر، التعاون الشامل».

كما استكشفت الدراسة مفهوم «الانعزالية» ــ ميل الأفراد إلى التفاعل بشكل أكثر تواترا مع أعضاء مجموعتهم. ومن الغريب أن الانعزالية تحافظ في بعض الأحيان على التعاون داخل المجموعات، ولكنها تؤدي أيضا إلى تفتت المجتمع مع قلة التعاون الإجمالي بين المجموعات المختلفة.

وأكد كيسنجر أنه «كلما كانت معلومات السمعة مجزأة، كلما أصبح من الصعب إقامة التعاون. ومع ذلك، لاحظنا أن التفاعلات داخل المجموعة يمكن أن تعاكس هذا التأثير جزئيًا».

ويضيف كيسينجر: «لا يزال هناك الكثير لنكتشفه حول كيفية إرساء المعايير والتعاون كمجتمع».