وقد اكتشف باحثون من جامعة ديوك قضية مثيرة للقلق فيما يتعلق بالطقس، وهي أن درجات الحرارة المبلغ عنها في الأحياء الحضرية الأكثر فقراً قد تكون أقل بكثير من الواقع.
وتشرح الدراسة المنشورة في مجلة Environmental Science & Technology Letters أن هذا التناقض ليس مجرد مسألة راحة، بل هو عامل حاسم في الصحة العامة والتخطيط الحضري. ببساطة، قد تقلل المدن بشكل كبير من تقدير مدى استعدادها لموجات الحر بسبب بيانات التطبيق الخاطئة هذه.
شبكات واسعة
يعتمد أغلبنا على مواقع وتطبيقات الطقس الشهيرة للحصول على توقعات الطقس اليومية. ومن بين أكبر اللاعبين في هذا المجال شركة Weather Underground، التي تستفيد من شبكة واسعة تضم أكثر من 250 ألف محطة طقس شخصية أنشأها مواطنون عاديون في ساحات منازلهم.
ويبدو هذا النهج، الذي يعتمد على جمع البيانات من الجمهور، فكرة رائعة للوهلة الأولى. ففي نهاية المطاف، من المفترض أن تؤدي زيادة نقاط البيانات إلى زيادة دقة التوقعات، ولكن، للأسف، هناك مشكلة، حيث تميل المناطق الأفقر في المدينة أيضًا إلى امتلاك عدد أقل من محطات الأرصاد الجوية، لسحب البيانات منها، لذلك إذا أردنا الاعتماد على بياناتها فسنحتاج إما إلى إضافة مزيد من أجهزة الاستشعار الأرضية أو محاولة التكيف مع البيانات المفقودة.
يقول زاك كالهون، طالب دكتوراه في الهندسة المدنية والبيئية بجامعة ديوك: «في حين أن الحصول على بيانات دقيقة عن درجة الحرارة قد يكون مهمًا للمقيمين الذين يمارسون أعمالهم اليومية، إلا أنه مهم بشكل خاص لواضعي السياسات الذين يعتمدون على البيانات لاتخاذ قرارات مهمة».
العلاقة بين الثروة والطقس
محطات الأرصاد الجوية الشخصية، على الرغم من أنها ليست باهظة الثمن، لا تزال تكلف عدة مئات من الدولارات، لذا ليس من المستغرب أن تكون أكثر شيوعًا في الأحياء الأكثر ثراءً، وهذا يخلق فجوة في البيانات بالمناطق التي من المرجح أن تكون الأكثر سخونة على وجه التحديد، وهي جزر الحرارة الحضرية في المجتمعات الأقل ثراء.
يقول مايك بيرجين، أستاذ الهندسة المدنية والبيئية بجامعة ستيرنبرج في جامعة ديوك: «قد تكون بعض أجهزة الاستشعار معطلة بعض الشيء، ولكن إذا قمت بتجميع كثير منها معًا، فإن البيانات المجمعة يمكن الاعتماد عليها إلى حد كبير. المزيد من البيانات هي بيانات جيدة، والبيانات الأقل هي بيانات سيئة».
المنهجية والنتائج
في مواجهة هذا التحدي، توصل باحثو جامعة ديوك إلى حل مبتكر. فبدلا من تركيب مزيد من محطات الأرصاد الجوية (وهو أمر مثالي ولكنه غير عملي في الأمد القريب)، طوّر الباحثون طريقة إحصائية لتصحيح نقص البيانات في المناطق التي تعاني نقص الخدمات، حيت حللوا 4 سنوات من بيانات Weather Underground لولاية نورث كارولينا بأكملها.
كما رسموا خريطة لمواقع محطات الطقس الشخصية، وقارنوها بمتوسط الدخل السنوي لكل منطقة.
وباستخدام هذه المعلومات، أنشأوا نموذجًا إحصائيًا لتقدير درجات الحرارة في المناطق التي تحتوي على عدد أقل من محطات الأرصاد الجوية أو لا تحتوي عليها على الإطلاق.
ولاختبار طريقتهم، قارن الفريق بياناتهم المصححة لمدينة دورهام بولاية كارولينا الشمالية بقراءات درجات الحرارة العالية الدقة التي تم تسجيلها خلال حملة خاصة لرسم خرائط حرارية، وكانت النتيجة أن تقديراتهم أقرب إلى الواقع، خاصة في أكثر أجزاء المدينة حرارة.
نتائج مهمة
هذا ليس مجرد تمرين أكاديمي، حيث تعد بيانات درجة الحرارة الدقيقة أمرًا بالغ الأهمية للصحة العامة والتخطيط الحضري.
وتضيف ماريلي بلاك، عالمة الصحة العامة في معهد أبحاث الرؤى الكيميائية بمختبر أندررايتر (UL) وشريكة في الدراسة: «تؤدي الحرارة الشديدة أيضًا إلى سوء نوعية الهواء، لذا يجب مراقبة التأثيرات الناتجة على صحة الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية لمصلحة الجميع، وينطبق هذا بشكل خاص على الفئات الضعيفة في المناطق الحضرية مثل الأطفال والمحرومين اقتصاديًا».
إن معرفة المدى الحقيقي لجزر الحرارة الحضرية يمكن أن يساعد مخططي المدن وصانعي السياسات على اتخاذ قرارات مستنيرة حول مكان زراعة الأشجار، أو تركيب مراكز التبريد، أو تركيز جهود التخفيف من الحرارة.
إنها أيضًا مسألة تتعلق بالعدالة البيئية، مما يضمن حصول جميع السكان - بغض النظر عن ثروة الحي الذي يعيشون فيه - على معلومات دقيقة حول الظروف التي يعيشون فيها.
وتخلص ماريلي إلى أن «عملنا يُظهر أنه يمكنك إجراء تصحيحات والحصول على تقديرات أفضل لجزر الحرارة الحضرية من خلال هذه الأنواع من الأساليب. كما أنه يسلط الضوء على الحاجة إلى محطات أرصاد جوية إضافية، لذلك نحن ندرك مدى حرارة الصيف بالنسبة لأفقر أفراد مجتمعنا».