لم تكد جدة تغفو على مأساة حريق مدرسة "براعم الوطن" التي قضت فيها معلمتان وأصيب 59، حتى استفاقت حائل صباح أمس على فاجعة أكثر إيلاماً تمثلت بوفاة 12 طالبة وسائقين.

19 ساعة فصلت بين الكارثتين، وكان القاسم المشترك بين ضحاياهما دفنهم جميعاً في توقيت واحد. وفي حين لا يزال المصابون في حريق جدة يخضعون للعلاج في المستشفى، لم يتمالك والد الطالبة لين العتيبي المصابة في كارثة جدة نفسه لدى رؤيته نائبة وزير التربية والتعليم نورة الفايز تعود المصابات، عن القول لها: لماذا تصرون على اصطحاب الفلاشات معكم؟

بينما أفيد أن سبب فاجعة حائل حفرة تقاذف المعنيون مسؤولية ردمها. وإذ عزا مصدر في إدارة الطرق والنقل بالمنطقة لـ"الوطن"، التصادم إلى رغبة أحد السائقين في تفادي حفرة في المسار القادم إلى قرية مريفق، محاولاً تبرئة إدارته، كشف الرئيس السابق للمجلس البلدي في حائل هتاش الهمزاني أن المجلس أقر قبل 140 يوماً توصية بتوسعة الطريق وصيانتها "لكن الأمانة لم تتحرك". إلا أن الأمانة قابلت ذلك بالصمت أمس، عبر مدير العلاقات العامة فيها بشير السميحان.

أما في جدة، فحرك حريق المدرسة سيلاً من التصريحات الحكومية تفاعل معها مسؤولون في مدن المملكة. وكشف مصدر في هيئة الرقابة والتحقيق في منطقة مكة المكرمة لـ"الوطن" أن تقريرا أعدته مفتشات من الهيئة أكد عدم توفر وسائل السلامة في المدرسة المنكوبة، لافتا إلى أن الهيئة طلبت في تقريرها ضرورة محاسبة المقصر.

وقال مدير الدفاع المدني في جدة العميد عبدالله الجداوي، إن 22 مدرسة لا تزال تعمل على الرغم من إعادة أوراقها لعدم استكمالها رخص السلامة. وهذا ما أقرت به وزارة التربية والتعليم على لسان وكيلتها لتعليم البنات الدكتورة هيا العواد، لكنها حمّلت "الشؤون البلدية والقروية" مسؤولية وضع "القضبان الحديدية" في مدارس البنات.

واتهم الدفاع المدني وزارة التربية والتعليم بـ "التقصير" في توعية الطلاب بخطط السلامة، ومخالفة التعليمات بوضع سياج حديدي على النوافذ، في حين وصف الهلال الأحمر أبواب الطوارئ في المدارس بأنها "أداة قاتلة".

وإزاء ذلك تعهدت اللجنة التعليمية في مجلس الشورى بمساءلة وزارة التربية والتعليم على خلفية الحريق.

في غضون ذلك، عزى أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل أمس أسرتي المعلمتين تغريد كتوعة وريم عامر نهاري، قائلا إن "ابنتيكما ابنتانا، ومصابكما مصابنا".




هكذا تفعل الطرق السيئة، تقتل ولا تدان.. وعلى أكتافها تتخضب الأرض بالدماء، وما الطريق الذي سلكه أمس سائق باص قطع 220 كيلومترا برفقة 13 طالبة متوجها إلى جامعة حائل إلا واحدا من الطرق التي أهملت، لتتسبب في مقتل 12 طالبة وسائقين لم يجدا لهما على الطريق المؤدي لقرية مريفق (20 كيلومترا جنوب حائل) متسعا ليعبرا بسلام حينما التقيا فكان بالكاد يتسع لسيارتيهما، فوقع ما خشياه وذهبا ومعهما 12 نفسا ضحية طريق ممتلئ بالحفر.

ورغم الاستنفار وإعلان حالة الطوارئ أمس في مستشفى الملك خالد بحائل إلا أن الموت كان حاضرا، فخطف إحدى المصابات لتحلق بزميلاتها بعد أن أدخلت قسم العناية المركزة، وبقيت الناجية الوحيدة تصارع جراحها لتحيا في قسم الجراحة بمستشفى الملك خالد، فيما نقلت جثث زميلاتها والسائقين إلى مستشفى حائل العام، وبقيت كتبهن ومذكراتهن حبيسة بين أكوام حديد قضى عليهن، ودفن في مقبرة صديان بعد أن صلي عليهن في مسجد برزان أمس.

وأوضح الناطق الإعلامي لشرطة منطقة حائل العقيد عبدالعزيز الزنيدي في بيان صحفي أمس، أنه في الساعة السابعة والربع صباح أمس وقع حادث تصادم بين سيارتين، الأولى "جيب صالون" بقيادة مواطن في العقد الثالث من العمر والثانية من نوع باص صغير بقيادة مواطن آخر "29 عاما"، ترافقه 13 طالبة، وذلك جنوب قرية مريفق (10 كيلومترا جنوب حائل). وأضاف الزنيدي أنه نجم عن الحادث وفاة 12 طالبة والسائقين، وإصابة واحدة لاتزال بمستشفى الملك خالد، إضافة إلى تلفيات شديدة بالسيارتين.

طريق الفاجعة

الطريق الذي سلب أرواح 12 طالبة وسائقين، لم يكن غائبا عن أعين المسؤولين قبل الحادثة، وكان موضوع مطالبة تقدم بها أهالي قرية مريفق لترميم شارعهم الرئيس الذي وقع عليه الحادث، ولكن- حسب تصريح نائب رئيس المجلس البلدي السابق أحد شيوخ قبيلة الهمزان هتاش الهمزاني- فقد رفضت البلدية إعادة ترميم الطريق، واكتفت بوضع مطبات صناعية أمام المنازل في وسط القرية، مؤكدا أن المكان الذي وقعت فيه حادثة الطالبات تحت نطاق إشراف البلدية.

الطريق الذي سلكه سائق الباص ليختصر المسافة وصولا لجامعة حائل، يتفرع من طريق المدينة المنورة- حائل السريع، ويمر بقرى قبيلة الهمزان ثم قرية مريفق.

ويقول عنه الهمزاني: الطريق أنشئ على نفقة قبيلة الهمزان عام 1420وتوليتُ آنذاك الإشراف عليه وتصميمه، وتكلف أكثر من 10 ملايين ريال، وهو متعرج وخطر لأنه يربط بين قرى عدة، ومن يريد الاختصار في الوصول لمدينة حائل يسلكه رغم خطورته، ومع أنه أصبح طريقا حيويا إلا أن أجزاء منه لا زالت بدائية ولم تخضع للتطوير، ولا توجد به العلامات الخاصة بالطرق.

ويضيف الهمزاني: الحادثة مصاب جلل، ونحن لا نعالج مصائبنا إلا بعد تكرارها، وفي هذه الحادثة فجعتنا كارثة في يوم واحد. وختم الهمزاني بالقول: حسبي الله على المتسبب، ورحم الله المتوفيين والمتوفيات، وألهم ذويهم الصبر والسلوان.

معاقبة المقصرين

إلى ذلك، قدم أمير منطقة حائل الأمير سعود بن عبدالمحسن تعازيه لأسر الطالبات المتوفيات والسائقين المتوفيين في الحادث. وقال إن الفاجعة كبيرة والحزن عميق، ولا نستطيع في هذا المصاب الجلل التعبير، موجها سموه بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق ومعرفة تفاصيل الحادث والجوانب المتعلقة بنقل الطالبات المتوفيات وغيرهن. وشدد على أهمية معاقبة المقصرين والعمل على إيجاد الحلول الشاملة لمشاكل النقل والطرق، وتسريع خطوات افتتاح فروع للجامعة في المحافظات والمدن التابعة للمنطقة.

كما وجه أمير حائل وكيل الإمارة الدكتور سعد بن حمود البقمي بالانتقال إلى مستشفى الملك خالد والإشراف على تقديم الخدمات الطبية للمصابة في مستشفى الملك خالد بالتنسيق مع مدير شرطة المنطقة اللواء يحيى بن ساعد البلادي، ومدير عام الشؤون الصحية الدكتور نواف الحارثي حرصا على متابعة حالتها، وتلقيها الخدمات الصحية اللازمة والوقوف مع أسرتها وأسر المتوفين. واطمأن وكيل الإمارة على الحالة المنومة في المستشفى، وحث على مضاعفة الجهود وتقديم أفضل الخدمات الطبية لها، فيما باشرت اللجنة المشكلة أعمالها للرفع بكافة تفاصيل الحادث وتفاصيل خدمات النقل المقدمة للطالبات، ومعرفة اشتراطات السلامة في سيارات النقل لاتخاذ اللازم من أمير حائل.

لقاء وقت الحدث

لم يغب حادث الطالبات أمس عن الاجتماع الذي عقده أمير حائل الأمير سعود بن عبدالمحسن أمس في قصر أجا مع رئيس هيئة الهلال الأحمر السعودي الأمير فيصل بن عبدالله بن عبدالعزيز، حيث دار الحديث عن تعزيز تواجد سيارات الإسعاف في المناطق والطرق التي تشهد زحاما، إضافة إلى التطرق للإسعاف الطائر.

وأعلن الأمير فيصل بن عبدالله تخصيص طائرتي إسعاف جوي لتقديم الخدمات الإسعافية بالمنطقة، محدداً موعد بدء الخدمة خلال ثلاثة أشهر بعد استلام الطائرات المخصصة لذلك.

افتتاح كليات جديدة

وفي حديث خاص لـ"الوطن"، أكد مدير جامعة حائل الدكتور خليل إبراهيم المعيقل أن الفاجعة مؤلمة، وأنه ناقش مع وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري أمس افتتاح كليات تتبع الجامعة في المحافظات للتخفيف من عبء التنقل على الطلاب والطالبات. وأضاف المعيقل: شكلتُ لجنة منذ وصولي للجامعة لدراسة الشروع في افتتاح كليات جديدة تتبع الجامعة في المحافظات، وقد يسرع الحادث المأساوي عملية افتتاح تلك الفروع. وقال: نقدم تعازينا لأولياء أمور الطالبات، وهذا مصابنا قبل مصابهم ونشاطرهم أحزانهم، وهو مصاب أهل حائل كلهم، ونسأل الله لهم الصبر والسلوان.

إدارة الطرق تتبرأ

من جانبه، أكد مصدر مسـؤول في إدارة الطرق والنقل بمنطقة حائل لـ"الوطن" أن حادث التصادم الذي وقع بين قريتي مريفق وسراء، لا يدخل ضمن نطاق إدارة الطرق، مشيرا إلى أن الحادث حصل على بعد 300 متر جهة الجنوب من حدود مسؤوليتنا، مؤكدا أن إدارة الطرق عالجت ما اعترى الطرق الواقعة في نطاقها من حفريات.

وأكد المصدر أن الحادث كان سببه رغبة سائق الباص في تفـادي حفرة في المسار القادم إلى قرية مريفق؛ مما جعل السائق يدخل في المسار الآخر، ويتسبب في تصادم السيارتين وجها لوجه، ما نتج عنه الحادث المفجع.

مسؤول لا يجيب

"الوطن" اتصلت بمدير العلاقات العامة بأمانة منطقة حائل بشير السميحان، ووعد بالرد على استفسارات "الوطن" ولكنه لم يرد.

سفر 500 كيلو متر يوميا

وفي اتصال تلقته "الوطن" من المواطن عبدالرحمن بشار الرشيدي الذي يسكن في قرية الشويمس (300 كيلو متر جنوب حائل) أكد أن الطالبات ذهبن ليتعلمن، وحصدهن الطريق قبل عودتهن بعلمهن. وقال الرشيدي: نحن في حائل وخاصة في القرى الجنوبية نعيش معاناة مستمرة مع مصائب الطرق التي تحصد منا يوميا، ولو رجعنا لإحصائية التعداد السكاني فسيتضح أن القرى الجنوبية فيها كثافة سكانية وتستحق افتتاح فروع لكليات الجامعة، ونحن متغربون وهجرنا منازلنا لكي نعلم أبناءنا في حائل. ويتساءل: أليس من حقنا الاستقرار في قرانا والاطمئنان على أولادنا وبناتنا في كليات قريبة حتى نجنبهم عناء السفر للدراسة بصورة يومية؟. وأشار إلى أن الطالبات يقطعن أكثر من 500 كيلو متر ذهابا وإيابا لجامعة حائل يوميا.

كما أكد المواطن سالم سلمان الرشيدي - أحد أقارب الطالبات المتوفيات في الحادث- أن بنات الحائط شهد 3 حوادث مماثلة للطالبات خلال تنقلهن لجامعة حائل. وأضاف: استطاع عدد من المواطنين وأصحاب الباصات نقل المصابات بالحادث والمتوفيات أمس إلى مستشفى الملك خالد بحائل ولم ينقل الاسعاف إلا حالتين، مشيرا إلى أن أخت سائق الباص كانت ضمن الطالبات اللاتي توفين مخلفة وراءها طفلا، فيما ترك السائق زوجتين وأطفاله بعد وفاته بالحادث.


"مليِّس وعامل تجهيز أسمنت" مهن سائقي حافلات الطالبات

الرياض: محمد آل ماطر





تقول العرب "إذا عرف السبب بطل العجب" فربما يحل هذا الخبر لغز حوادث باصات المعلمات وتكليف مهمة نقل الطلبة والمعلمات إلى المدارس إلى غير أهلها، وربما يكون السبب الآخر في رداءة وسائل النقل.

فتكشف "الوطن" بالوثائق لجوء بعض الشركات التي تعاقدت معها إدارة التربية والتعليم للاستعانة بعمالة بمهن "مليس، وعامل تجهيز خلطات طوب أسمنت" لنقل طلاب برامج التربية "الفكرية" بالرياض من مدارسهم لمنازلهم ذهابا وإيابا.

وعلمت "الوطن" أن تلك الشركات الناقلة للطلاب جاءت بعد معاناة أولياء أمور الطلاب بداية العام الدراسي من عدم توفر وسائل نقل لأبنائهم من المنازل للمدرسة والعودة بهم، مما دعاهم لنقل مطالباتهم لإدارة التربية والتعليم لتأمين متعهدين لتلك المدارس، وذكرت المصادر أن الإدارة استطاعت تأمين متعهدي نقل لطلاب تلك الفئة لبعض البرامج، بينما لا تزال هناك برامج أخرى لم يتم تأمين وسائل نقل لطلابها رغم مطالبات أولياء الأمور في تلك المدارس.

وتابعت المصادر لـ"الوطن" أن الحافلات التي تم تأمينها للمدارس حاليا لا ترتقي لمستوى نقل طلاب ذوي الاحتياجات الخاصة كونها صغيرة" ميكروباص" ذات مواصفات رديئة، إضافة إلى أن تلك الحافلات لم يتم تأمينها بمرافقين للسائقين، يهتمون بضمان سلامة الطلاب ولاسيما أنهم من ذوي "التخلف العقلي" داخل الحافلة ويرافقون الطالب من الحافلة للمنزل بينما يبقى السائق محافظا على البقية بالحافلة.

وأوضحت المصادر أن طلاب التربية الفكرية مدمجون بمدارس التعليم العام ومخصصة لهم حافلات خاصة تهتم بنقل الطلاب من المنزل للمدرسة صباحا والعودة بهم ظهرا، وأن غياب تلك الحافلات يجبر الأهالي على إبقاء أبنائهم في المنزل خوفا من خروجهم ظهرا وعدم تمكن أولياء أمورهم من الحضور للمدرسة لاصطحابهم فيفضلون إبقاءهم بالمنازل حتى تأمين حافلات ومرافقين يهتمون بأبنائهم كونهم طلابا ذوي تخلف عقلي.

يذكر أن وزارة التربية والتعليم اعتمدت منذ سنوات دمج طلاب التربية الفكرية مع زملائهم الأسوياء بمدارس التعليم العام وإشراكهم في العديد من الأنشطة والفسحة المدرسية، وتخصيص فصول مستقلة ومعلمين متخصصين يزودونهم بمفاهيم ومناهج خاصة بهم تختلف عن المقرر المدرسي المخصص للطالب في التعليم العام في جميع المراحل.


 


غابت.. فنجت

شاء القدر أن تتغيب الطالبة الثالثة عشرة، التي كان من المفترض أن تكون ضمن من يقلهن الباص إلى جامعة حائل من قرية الحليفة جنوب حائل (240 كيلو مترا) عن دراستها في كلية الطب، فنجت من الحادث. ولم تعلم بوفاة زميلاتها إلا في وقت متأخر أمس بعد أن حاول أفراد عائلتها إخفاء نبأ الحادثة عنها.


أسماء المتوفيات والطالبة المصابة

المتوفيات:

حنان مهنا الرشيدي، منال بيان الرشيدي، نجلاء زعل الرشيدي، نورة متعب الرشيدي، انتصار سعد الرشيدي، تهاني سعد الرشيدي، أميرة عبدالله الرشيدي، منال عايد الرشيدي، فريدة شبيب الرشيدي، فاطمة مرزوق الرشيدي، نادية عبيد الرشيدي، أسماء راشد خيران الرشيدي.

المصابة:

وداد معيض الرشيدي منومة حاليا في قسم الجراحة بمستشفى الملك خالد بحائل.


أمانة حائل تجاهلت قرار مجلسها البلدي قبل 140 يوما

قبل فاجعة طالبات جامعة حائل التي وقعت أمس، كان أمام أمانة حائل 140 يوما لتنفيذ ما أقره المجلس البلدي بمدينة حائل في جلسة عقدت برئاسة نائب رئيس المجلس هتاش الهمزاني لإعداد دراسة من قبل أمانة المنطقة بشأن توسيع طريق قرية مريفق النازل من طريق المدينة المنورة حائل".وكان الوقت كافيا لإنجاز الدراسة وتوسعة الطريق وإعادة تأهيله، كما كان بوسع أمانة حائل الاستجابة لمطالبات الأهالي وصيانة طريقهم الرئيس، ولكنها البيروقراطية كما يسميها نائب الرئيس سابقا الهمزاني.. كان في مقدرة الأمانة أن تفعل، وكان للأمانة مسؤوليتها، ولكنها تخلت، وفضلت أمس التزام الصمت عبر مدير العلاقات العامة والإعلام بشير السمحيان.