كيف انصب اهتمامي في البحث السوسيولوجي بصفة عامة وفي مجال المرأة على الأخص؟ لقد توفي أبي وسني دون العاشرة، وحين وصلت سن الخامسة عشر اقتسمنا الإرث وورثت نصف نصيب أخي ولم أفهم السبب! زد على ذلك أن أمي تكفلت بنا وكانت تمنع علينا الخروج بدعوى أن أعمامي سيؤاخذونها على سلوكنا أنا وأختي .. لم نكن نذهب إلى المكتبة أو المسبح، حصل ذلك فيما بعد وإثر صراع عنيف. وجدت بأنني محاصرة كامرأة، وأدركت من خلال الواقع بأن تلك الأفكار الوطنية وتلك الحيوية التي تميزت بها فاس كانت هباء، وأنني سجينة واقع وأفكار فرضت علي بشكل فظيع ، ومن هنا كان اهتمامي .
هناك عامل آخر نبهني وهو الفروق الاجتماعية: حيث بدأت خلال تلك الفترة أكتسب نوعا من الوعي السياسي، زد على ذلك الفروق بين البادية والمدينة. كل ذلك العالم الطفولي الذي حلمنا به في الأناشيد والأفكار والمغرب الذي سيتغير.. الخ قد انهار. لقد جاء الاستقلال وظللت سجينة في مدينة ذات نسق تراتبي متحجر تريد أن تخنقني، وما لم أكن أدرك كنهه وأنا صغيرة اتضح أمامي عندما كبرت.
لقد عانيت كذلك من مسألة فقدان الثقة في المرأة، فحين كنت أطلب من عمي الذي تزوج من أمي بعد وفاة أبي حسب العادة الذهاب إلى المدينة الجديدة كان يرفض وكنت أثور: لماذا؟ كيف يراني؟ ولم لا يثق بي؟ إن عمي ذلك الرجل الذي كنت أحبه كثيرا لأن شخصيته رائعة، وأتفاهم معه ونضحك معا، كان يتغير بتاتا حين
أطرح عليه مسألة خروجي وحيدة ويرفض.
بدأت آنذاك أفكر في ذلك المجتمع وأفراده: أهم حمقى أم أسوياء؟ كيف يعاملونني كطفلة وأنا امرأة واثقة بنفسي؟ ولا زال الأمر كذلك إلى يومنا هذا . . عندما أطلب مثلا جواز سفر أجد نفس الأفكار لدى الإداريين الذين يقولون بأن علي أن آتي بإذن من والدي، فأجيبهم بأنني كنت أملي على أبي ما يفعله، وبأن أمي استشارتني قبل زواجها بعد وفاته، وبأن أفراد عائلتي كانوا يستشيرونني منذ سن الخامسة عشرة . . وأنا الآن أستاذة في الكلية وأشارك في لقاءات دولية وأنتم تطالبونني بأن آتي بورقة ؟ .. ليس هناك أحد يتحكم في!
إن هذا المجتمع الذي يحمل هذه الأفكار عن المرأة مجتمع مريض، كيف يراني حمقاء وأنا أتوفر على هذه الطاقات ؟ كيف يمكنه أن ينظم وينمي البلاد ويستثمر الطاقات ويوظفها في إطار إستراتيجية تنموية ؟ إن ذلك مستحيل عليه ما دام يراني قاصرة ناقصة ويعمي بصره عن كل طاقاتي؟ أترين ؟ .. لست معجبة بنفسي! ولكنني واثقة بمواهبي، وعندما ألتقي بأحد يراني كطفلة ويعاملني كسفيهة أو كمهزوزة عقليا. آنذاك أستخلص بأن المجتمع الذي يضم إنسانا له هذه النظرة عن المرأة، مجتمع فاسد يعاني من خلل، وعلي أن أعالجه.
1987*
* باحثة وكاتبة أكاديمية مغربية «1940 - 2015».