يعتقد الدكتور داير أن أحد أسرار شعوره بالنجاح قناعة داخلية كان يكررها على نفسه في كل يوم، وهي: «غير الطريقة التي تنظر بها إلى الأشياء، وسوف تتغير الأشياء من حولك»، هذه القناعة تتمثل في الطريقة التي كان ينظر بها إلى نفسه أو إلى من حوله، أو حتى الطريقة التي ينظر بها العالم، فعندما ننظر مثلًا إلى العالم بأنه صديق حقيقي فسوف نراه صديقًا حقيقيًا، بدل أن نراه وكأنه يتآمر علينا.
ولكن هل نستطيع أن نغير نظرتنا للأشياء والأشخاص والعالم؟، فالتغيير لا يقف في الخارج بانتظار رغبتنا ما لم نسع إليه، معظم الناس لا يعرف كيف يتغير، خاصة عندما يقرن التغيير بشعور سلبي، فالتغيير عادة وليس مسألة قدرة، أو بالأحرى تحفيز سلوكي، لكن المشكلة كما يقول روبنز إن التغيير يقع في إطار التمني.
فإذا كنا نريد خلق التغيير فإن علينا أن ندرك أن المسألة ليست فيما إذا كنا نستطيع أن نفعل، بل فيما إذا كنا سوف نفعل ذلك، غير أننا نجد صعوبة في إحداث التغيير؛ لأن لدينا عواطف مختلطة حول التغيير، ومن ناحية أخرى نخشى التغيير لأنه يرتبط بالحالة الذهنية والعصبية وربما الكلفة المادية، ولكن إذا ربطنا التغيير بالشعور الإيجابي فسوف يحدث التغيير، ولكن عندما نربط التغيير باللحظة الحاضرة فإننا سوف نجتاز حالة التشتت التي تحدث بفعل تركيزنا على الماضي والحاضر والمستقبل وتجاهلنا اللحظة الحاضرة، حيث نقوم بإضاعة وقت طويل في البحث في الماضي والمستقبل، في الوقت الذي يجب أن نحول فيه الحاضر إلى حاضر مليء بالإشباع الكامل للذات.
فإحدى الطرق التي يمكننا بها التغلب على تسويف التغيير هي أن نتعلم كيف أن نعيش الحياة لحظة بلحظة، فجوهر الحياة هو العيش في الآن وفي كل لحظة من لحظات الحاضر، ونندمج مع واقعنا الحالي، فلا شيء نملكه سوى اللحظة الحاضرة، ولكن المشكلة أننا نعيش في ظل ثقافة تحتفي بالمستقبل على حساب الحاضر، فتجاهل لحظة الحاضر يعد مشكلة ثقافية، فقد اعتدنا أن نتخلى عن حاضرنا في سبيل مستقبلنا، وهذا لا يحرمنا من الاستمتاع بالحاضر فقط، بل يحرمنا من فرص الحياة، ففي هذه الحالة يضيع الحاضر بسبب التفكير في أحداث الماضي، وما سوف يحدث في المستقبل.
إن في مقدورنا الاستمتاع بلحظة الحاضر، والتي غالبًا ما نبحث عنها رغم أنها مرافقة لنا، لنعيش تلك اللحظة الفريدة، ونتجاهل الماضي الذي قد انتهى، فالرجوع في الزمن مستحيل، ونتخلص من عادة التفكير في المستقبل الذي لم يأتِ أوانه، ونتمسك بالحاضر وكأننا لا نملك سواه، فالوعي باللحظات الحاضرة نراه في أولئك الذين يسعون لفرص الحياة، والذين اختاروا لأنفسهم أن يعيشوا الحياة بطريقة صحيحة، وهذا الاختيار متاح أمامنا، حيث تتشكل السلبية -على حد رأي إكهارت توال وربما يشاركه نيتشه الرأي- من تراكم الزمن النفسي، والذي ينشأ عادة من تجاهل الحاضر وسيطرة المستقبل، فعندما نسمح للزمن النفسي بالسيطرة علينا فمعناه أننا لا نعبأ باللحظة الراهنة.
فعدم الشعور بالارتياح لما نفعله لا يدل بالضرورة على وجوب تغيير ما نفعله، بل تغيير كيفية قيامنا بما نفعله، فالتفكير في الماضي والتحدث عنه على نحو غير ضروري، هو طريقة من طرق تفادي الحاضر، رغم أن الماضي بشكل عام كامن في داخلنا، نتعامل معه من خلال قوة حضورنا إلا أننا لا نجد أنفسنا في الماضي بل في الحاضر، حيث يحدث الاضطراب لحياتنا من كوننا هنا وتفكيرنا هناك، نكون في الحاضر ونعيش في المستقبل.
يذكر المفكر السياسي همايون في إحدى محاضراته التي كان يلقيها في جامعة أكسفورد ميل العقلية الهندية إلى تجاهل الحاضر والتركيز على الماضي، وقد لاحظ البريطانيون ذلك أيام استعمارهم لشبه القارة الهندية، فقد لاحظوا بأن الهنود يرهقون أنفسهم في التفكير في الماضي، وفيما عسى أن يقع من الحوادث في المستقبل، في محاولة تفاديهم أخطار المستقبل، مما أدى بهم إلى تضييع فرص الحاضر، وقد لفت البريطانيون انتباههم إلى التركيز على الحاضر والتمسك به وإبرازه على حساب الماضي والمستقبل.
فما نحتاج إليه لصنع حياة رائعة يتمثل في قدرتنا على استثمار اللحظة الحاضرة.
يقول راسل كونيل، إنه في أغلب الحالات تكمن أعظم الفرص تحت موطئ قدميك، إن فرصك تتواجد في المكان الذي توجد فيه أنت تمامًا. ليكن تركيزك على اللحظة الحاضرة، لا تنتظر أن تصير الأمور مواتية لك، فهذا دورك أن تجعل الأمور مواتية تمامًا، عند ذلك ستفتح لنفسك أبواب الفرص غير المرئية، فالفرص كالمعلومات توجد في مكان غير مرئي ويمكنك استدعاؤها.