عندما تقرأ لمؤرخ، المفروض أن تذهب إلى سيرته وتبحث عن مواقفه وآرائه، لا لشيء فقط للتأكد من الموضوعية وعدم التحيز أو حتى وجود أي خط عنصري في فكره. هذا ما يردده علماء الغرب ومفكروه علينا حتى بات الكثير يؤمن بأنه لو أردت معرفة التاريخ الصحيح لن تجده إلا من قبل مؤرخيهم! لكن الواقع يؤكد على انحيازهم ليس فقط في كتاباتهم بل أيضًا في مؤسساتهم الرسمية وغير الرسمية التي تقوم على التركيز على الكتب والمؤلفات!

قرأت مؤخرا الخبر التالي: في 25 يونيو، أعلنت اللجنة التأسيسية لمنظمة تجارة الكتاب الألمانية أن الصحفية والمؤرخة البولندية الأمريكية «آن أبلباوم» ستحصل على جائزة السلام 2024، ومعرض الكتاب هو أحد أكبر فعاليات صناعة النشر في العالم، كما جاء في نص الجائزة عن «أبلباوم»: «في الوقت الذي يتم فيه تصوير القيم والإنجازات الديمقراطية بشكل كاريكاتيري ومهاجمتها بشكل متزايد، فإن عملها يجسد مساهمة بارزة ولا غنى عنها في الحفاظ على الديمقراطية والسلام». ممتاز، هل نصدقهم أم نذهب للبحث والتنقيب؟!

وجدت لها مقالة كتبت عام 2002 في صحيفة «سليت»، بعنوان «اقتل الرسول: لماذا تعد أستوديوهات الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية أهدافًا عادلة في الحرب الفلسطينية/الإسرائيلية». من العنوان نجد أنه تحريض واضح على الإعلام الفلسطيني! ربما أخذ الصهاينة الرخصة منها لهجومهم الشرس على الإعلاميين ولهذا نجدهم يقتلون الصحفيين وأسرهم في غزة! ولو أنهم لا يحتاجون لرخصة، تماما كما زعم الكثيرون من الصهاينة في حججهم أن «هتلر» استلم فتوى من الشيخ الحسيني لقتل اليهود، لأن «هتلر» أكيد كان مسلما يعتمد على الفتاوي!

إليكم ترجمة مقتطفات مما كتبته «أبلباوم»: «لقد تعرضت الهجمات الإسرائيلية على أهداف تابعة للسلطة الفلسطينية للانتقاد لكونها لا طائل من ورائها، لأنها مدفوعة بالرغبة في تدمير عرفات ومتطرفيه. ولكن من الواضح أن فلسطين ليست دولة مستقلة، وتدمير مهابط الطائرات في غزة يعني أن الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة سوف يضطر إلى إعادة بنائها. إن تدمير «القوة الجوية» لعرفات يعني أنه يتعين على شخص آخر أن يشتري له أو لخليفته أسلحة جديدة.

ولكن تدمير مركز إذاعة صوت فلسطين في نهاية الأسبوع الماضي ينتمي إلى فئة مختلفة، حيث إن وسائل الإعلام الفلسطينية الرسمية هي المكان المناسب لإسرائيل لتصب جام غضبها. كثيرًا ما يتم تجاهل وسائل الإعلام الرسمية التابعة للسلطة الفلسطينية في تغطيتها للصراع في الشرق الأوسط، والتي تركز غالبًا على أعمال العنف التي وقعت بالأمس وعدد القتلى اليوم».

الهجمات الإسرائيلية على أهداف السلطة الفلسطينية لا طائل من ورائها، لأنها ليست أهدافا عسكرية مشروعة ولا تساهم في الصراع المستمر بين إسرائيل وفلسطين... (الأفضل بالطبع مهاجمة مراكز إعلامهم وإعلاميهم، حتى ولو كان يوجد فيها أطفال) لقد تعرض التلفزيون الفلسطيني لانتقادات بسبب بثه المتكرر لمشاهد أعمال الشغب والعنف في أوقات التوتر الشديد، حيث تعتقد المخابرات العسكرية الإسرائيلية أن هناك علاقة مباشرة بين تكرار مثل هذه المقاطع وتكرار الهجمات الفلسطينية على الإسرائيليين. ثم إنه قد ثبت أن برامج الأطفال التلفزيونية، مثل (حديقة الطيور)، تعمل على إدامة الرسالة التي مفادها أن كل إسرائيل هي فلسطين وأن إسرائيل كلها ملك للعرب». ومن أين أتت بمعلوماتها؟ من خلال زيارة لها للكيان المحتل قبل عدة سنوات من كتابة المقالة، حيث عُرضت عليها تقارير ومشاهد، تقارير ومشاهد ممن وعمن؟ ومع من تحدثت؟ بالطبع مع الصهاينة ولم تكلف نفسها بالتحدث مع فلسطيني واحد! بمعنى حكمت بعين واحدة! هكذا التأريخ إما بلا!

معلومة على السريع عن صحيفة «سليت»، أكيد لن أترك هذه النقطة تفوتني: هي مجلة يومية على شبكة الإنترنت وشبكة «البودكاست». تأسست عام 1996، وهي مجلة ذات اهتمامات عامة تقدم تحليلات وتعليقات حول السياسة والأخبار والأعمال والتكنولوجيا والثقافة، ويحظى الموقع المملوك لشركة «جراهام القابضة» بدعم من عائدات الإعلانات والاشتراكات. من المالك لشركة «جراهام»؟ أحفاد الراحل يوجين ماير فهم يسيطرون بشكل جماعي على الشركة. ومن هو «يوجين ماير»؟ (من مواليد 31 أكتوبر 1875، لوس أنجلوس - توفي في 17 يوليو 1959) كان زعيمًا مؤثرًا في الحياة السياسية والاجتماعية الأمريكية ومالكًا لصحيفة واشنطن بوست وناشرًا لهذه الصحيفة من عام 1933 إلى عام 1946، للتعرف أكثر على تأثيره في السياسة الأمريكية راجع معلومات عنه على الإنترنت. أعتقد أن كل ما سبق قد يعطيكم فكرة عن «أبلباوم» ومن يدعمها ولماذا.

عندما تذهب المؤرخة «أبلباوم» إلى الكيان المحتل وتتحدث بناء على ما قدم لها من الصهاينة وهي لا تفقه شيئا في العبرية أو العربية ناهيك عن تاريخ الاحتلال، وتتحدث عن زرع الكراهية في الأجيال خاصة الأطفال، ولا تصحح معلوماتها حيث ظهرت دراسات تتناول العنصرية والكراهية نحو العرب في المناهج الإسرائيلية مثل: «نوريت بيليد الحنان 2003»، بار غال 1993؛ بار تال وتيشمان 2005؛ فاير 2004؛ بوديه 2002، وعلى الأقل تكتب مقالة أخرى تصحح آراءها، فهي غير جديرة بأن تلقب بــ«مؤرخة»، كما أنها حينما تحرض على القتل فهي لا تستحق صفة «إنسان»! وعندما يتم حرمان كاتبة فلسطينية من الجائزة في معرض الكتاب الألماني ويتم الاحتفاء بمن يقرأ التاريخ بعين واحدة نتأكد أن كل الكتب التي يدعمونها ليست سوى متحيزة وغير موضوعية لا وبل مزورة للتاريخ!