"أنا أدرس بفلوسي"؛ عبارة صادمة عندما نسمعها من بعض طلبة الجامعات والكليات الأهلية، ولكن ليس من المفترض أخذها من الجانب السلبي على المطلق، حيث إن لها جانبًا يصنف أنه من حقوق الطلبة.

ومن المعلوم سلفًا أن لطلبة التعليم العالي حقوقًا وعليهم واجبات، وقد تختلف هذه الحقوق والواجبات من جامعة لأخرى وبين قطاعي التعليم الجامعي الحكومي والأهلي، ولو أنها متوافقة فيمَا بينها بعناصر عدَّة. الطلبة الذين يبذلون من المال الخاص يفترض أن يتلقوا خِدْمَات مختلفة ونوعية بدءً من توفير بنية تحتية وإنشائية متميزة قائمة على الخيارات والراحة بما في ذلك الخدمات الداعمة مثل التنسيق والمساعدة بتوفير سكن للطلبة وكذلك تقديم أنشطة طلابية متميزة. ولكن الغالب الذي اُسْتنتِج من الطلبة عند ذكرهم كلمة "أدرس بفلوس"، هي في محتوى البرامج الدراسية وطريقة ومهارات التدريس والتواصل الفعّال المستمر والممنهج وكفاءة الهيئة التدريسية، وهذه العناصر ضمن حقوق الطلبة بشكل عام، ولكن أن تقل في الجامعات والكليات الأهلية على وجه الخصوص فهي معضلة كبيرة. حيث إن المسجلين من الطلبة في الجامعات والكليات الأهلية هم في الغالب ممن لم يحصل على قبول في الجامعات الحكومية، أو في التخصص الذين يرغبون فيه؛ وذلك بالدرجة الأولى لأسباب معايير القبول والمفاضلة أو بسبب عدم الحصول على مقعد دراسي مناسب في مدينة سكنهم، وهذا قد يكون مؤثرًا على نوعية وجودة الطلبة الدراسين في القطاع الجامعي الأهلي، وبالتالي يحتاجون إلى عناية ودعم مختلف.

وهنا من حق الطلبة في مؤسسات التعليم الجامعات الأهلي أن يطالبوا في الفصول الدراسية المكثفة أو الإضافية أو الافتراضية، أو الفصول الدراسية الصغيرة المركزة، التي تركز على كل طالب بشكل أكبر مقارنة بالجامعات الحكومية. حيث إن من واجبات عضو هيئة التدريس في هذه المؤسسات الأهلية أن يتذكر كل طالب باسمه وخلفيته الثقافية والعلمية، وأن يعمل ملف مستقلًا عن حالة كل طالب بشكل منفرد يحتوي على معلومات عن أهلية الطالب الدراسية وسير دراسته، وعن وضع الطالب الأكاديمي، واحتياجاته الأكاديمية، مع بيان أنواع الدعم المقدم للطالب، مع ذكر خطط للتحسين بشكل مرحلي لتقويم وضع الطالب بشكل مستقل خلال مراحل الدراسة. كما أن تخصيص ساعات مكتبية للطلبة يُفترض أن تكون أكثر من بالمقارنة مع الجامعات الحكومية، مع تفعيل وسائل افتراضية لمقابلة وتمكين الطلبة عبر منصات تعليمية خارج أوقات الدوام الرسمي، خاصة لتحسين مستوى الطلبة الذين يحتاجون إلى الدعم المستمر.

أهم ما يدور بين ثَنايا أحاديث الطلبة في القطاع التعليمي الجامعي الأهلي، هو خصائص المنهج الدراسي أو المقرر الدراسي، وهذه فجوة كبيرة تحتاج إلى تدريب أعضاء هيئة التدريس في الجامعات على كيفية تصميم المنهج الدراسي بناءً على معطيات محددة. أولًا يجب على عضو هيئة التدريس أن يكون مدركًا بنوعية الطلبة الدراسين، هل هم من الطلبة الذين يحتاجون إلى التكرار أو التركيز الأكثر أو الدراسة ذاتيًّا، وهنا يستطيع عضو هيئة التدريس تعديل استراتيجيات التدريس بناءً على هذه المعطيات.

ثانيًا، يجب على عضو هيئة التدريس أن يؤدي دوره المحفز والمؤثر تجاه الطلبة جميعهم دون كلل أو ملل، كما لا بد أن يمتلك عناصر جاذبة في طريقة التدريس واستخدام وسائل مختلفة غير تقليدية لإيصال المعلومات بشكل مُتغيّر ومتسق مع حالة الطلبة.

ثالثًا والأهم، هو في كم وكيف محتوى المنهج الدراسي، فمن المعلوم أن لكل منهج خُطَّة مصممة تحتوي على عدد وعناوين الدروس (المحاضرات)، وهذا لا جدال فيه؛ حيث إنه يتسق مع المراجع العلمية المعتمدة في التخصصات. ولكن محتوى الدروس يجب أن يكون بطريقة مبتكرة ومركزة، مثلًا الطلبة الذين يدرسون درجة البكالوريوس، يجب أن تكون المعلومات المتضمنة تتسق مع درجاتهم العلمية، التي تؤهلهم لهذه الدرجة والمهنة المرتبطة بعد التخرج. ومن المؤسف أن يضمن عضو التدريس معلومات تعتمد على الكم وبمعلومات ثانوية، التي لن يمارسها الطالب في حياته المهنية قط، حيث إن لكل درجة علمية كم محدد من المعلومات يجب ألا يُتعمَّق بها بالمقارنة مع من يدرس درجات علمية أعلى أو برامج تدريبية محدَّدة. كما أن كيفية سرد المعلومات في المحاضرات يجب أن يكون متوافقًا مع خلفية الطلبة على الوجه المناسب، ويجب أن يكون بطريقة مشوقة ومترابطة، وتحتوي على المعلومات على نحو دقيق ومحدد.

كما أن الشراكات والروابط بين القطاعات المختلفة ومؤسسات التعليم الجامعي الأهلي لأغراض تدريب وتأهيل الطلبة يجب أن تكون قوية ومباشرة ومفعَّلة على الوجه الصحيح. التدريب والتأهيل في مواقع وبيئة العمل هو جانب هام وحيوي لربط المعلومات العلمية فيما بينها من جهة، ومع مهارات سوق العمل المُتغيّر من جهة أخرى، والذي سوف يسهل على الطلبة اجتياز متطلبات البرنامج الدراسي بنجاح.

لذلك يُعدّ عنصرًا من عناصر قوة الجامعات والكليات الأهلية أن توجد هذا الجانب بشكل مستدام ومتوافق مع متطلبات البرامج؛ ليس فقط لتقويم الجانب العملي والتدريبي فحسب، بل من أجل تأهيل الطلبة معرفيًا في أثناء الدراسة، ومهاريًّا لبيئة العمل، وتعزيزًا لقدرات التواصل والمخالطة الإيجابية للطلبة من خلال مراحل الدراسة.

إضافة إلى ذلك، إمكانات ومهارات وخبرات أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأهلية يُفترض أن تكون أعلى من الجامعات الحكومية، حيث إن القطاع الأهلي له الحق في اختيار أعضاء مؤهلين مسبقًا وأكثر جاهزية، على عكس الجامعات الحكومية التي تؤهل أعضاء هيئة تدريس على فترات متفاوتة للوصول للكفاءة المنشودة، التي قد لا يصل إليها البعض إلا بعد مدة طويلة.

لذلك من المآخذ على بعض الجامعات والكليات الأهلية في استقطاب أعضاء هيئة تدريس من ذوي الكفاءة الضعيفة، ولا يملكون الخبرة والمهارة الكافية في العمل الأكاديمي والتطوير والتنمية البشرية.

خِتامًا، من حق الطلبة الذين يبذلون من مالهم الخاص للتعليم والتدريب أن يتوقعوا الكثير من الخِدْمَات التعليمية النوعية في الجامعات والكليات الأهلية. مع التركيز على خصائص ومحتوى المقرر الدراسي بما في ذلك استراتيجيات التدريس، ليتضمن الكثير من صفات الجودة في سرد المعرفة والمهارات المركزة، التي تعتمد على الضروريات والأساسيات وتقليل كم المعرفة الثانوي وغير الهام في مرحلة الدراسة.

كما أن تدريب أعضاء هيئة التدريس يجب أن يكون مستمرًا على نوعية الطلبة في قطاع التعليم الأهلي، حتى يُمكّنوا الطلبة من التخرج بصفات وخصائص تنافسية في سوق العمل المُتغيّر بوتيرة متسارعة، وأن يساهموا في الاقتصاد الوطني بما يملكون من انتماء ومهارات ومعرفة.