تحمل لنا السيرة النبوية الشريفة صوراً واضحة ومثالا رائعاً لتجسيد مكانة الأوطان في الإسلام وذلك عندما خرج رسوال ﺍﻟﻠﻪ محمد "صلى الله علىه وسلم"، مهاجراً من مسقط رأسه مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، ونظر حينها إلى مكة نظرة الحزن والألم ثم قال كلمته المشهورة في رواية الترمذي: "والله إنك لأحب بلاد الله إلى الله وأحب بلاد الله إلى نفسي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت”، مما يدل على تعلق قلب رسول الله بمكة التي ولد وعاش فيها ولم يطمئن قلبه صلى الله عليه وسلم حتى نزل عليه قول الله تعالى "إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد”، صدق الله العظيم.

على ضوء ذلك سنتحدث عن حب الوطن والانتماء له، الذي يؤكده الولاء للوطن والطاعة لولي الأمر، التي حرص عليها الإسلام ونص عليها كتاب الله والأحاديث النبوية، وذلك للتأكيد بأهمية الولاء للوطن وطاعة ولي الأمر لأنها تساهم في توثيق التماسك وتدعم الشعور بحب الوطن والمصلحة المشتركة والمصير الواحد بين أبناء الوطن وولي الأمر، حيث أمر المولى عزّ وجل بطاعة ولي الأمر بعد طاعته عزّ وجل وطاعة رسوله، كما جاء في القرآن والسنة بتوجيه وأمر واضح وصريح.

هنا نستطيع القول من الناحية السيكولوجية، بأن الإنتماء الوطني بكل ما يحمله من معان نفسية واجتماعية، هو شعور جميل ولكنه أضيق من مفهوم الولاء بمعناه الواسع الذي يتضمن الإنتماء، لأن الولاء يشمل المشاعر النفسية والإجتماعية والسلوكيات الإيجابية التي يحملها الفرد تجاه وطنه، ليتجسد ذلك في صورة اجمل للانتماء ليرتقي إلى درجة الولاء ليتضمن الشعور بالمسؤولية والعطاء والتضحية من أجل الوطن ونصرته ضد كل من يعتدي عليه، ولهذا فان الإنتماء للوطن مقروناً بالولاء وطاعة ولي الأمر الذي أوجبها الله تعالى ورسوله.


وهنا يتمّ التاكيد بأن من يدّعي الإنتماء لوطنه دون الولاء الصادق وطاعة ولي الأمر، فقد خرج عن أوامر الله ورسوله، فالتعبير عن حب الوطن بالخطابات الجوفاء والعبارات الشكلية فقط دون الولاء والطاعة لا يعتبر حبا حقيقيا للوطن، لأن من يدّعي الإنتماء لوطنه عليه أن يقدم ما يثبت ولاءه وطاعته لولي الأمر، تنفيذاً لأمر الله تعالى ورسوله، لأن ذلك يساهم في إستقرار ونمو الوطن.