تبنى سمو وزير التربية والتعليم إطلاق (عام المعلم) على العام الدراسي المنصرم تجسيداً لكون المعلم حجر الأساس في العملية التعليمية، وقائد ومنسق عمليات التعليم والتعلم.. وجهت الوزارة كعادتها (بتعميم) يحث على تهيئة كافة الأسباب لتحفيز المعلم والإشادة بدوره وتنفيذ مبادرة سموه.. تقافزت حينها إدارات التعليم في المملكة لتحقيق المبادرة.. واختصاراً لما بعد المبادرة والتعميم نجد أنفسنا والمعلمين متسمرين أمام مسلسل جديد كانت نهايته مفتوحة في تبني مشاريع الورق التي اعتدنا عليها في كل الاتجاهات، أما النتيجة فكان (عام المعلم) إذاعة مدرسية و منشورات توزع على الطلاب وبرامج لم تصل إلى معنى (المعلم) وكرامة مكانته، لتتحول مبادرة مهمة ومستحقة نحو المُصدّر الأول نحو بناء الإنسان والأمم من خلال إسهاماته الحقيقية في صنع الحياة كما يعرف ذلك أغلب علماء التنمية البشرية الحديثة إلى شعارات وكليشات لا تسمن ولا تغني من جوع!
المعلم السعودي اليوم ليس بحاجة لشعارات طنانة أو تعاميم (ورقية) أو حتى شهادات شكر واحتفالات.. بل يحتاج لحلول تقض مضجعه ومستقبل وطن وأجيال بدءاً من تطويره والاهتمام به، فالوزارة أسفاً تتحدث عن التطوير في شتى مجالاتها ونسيت أنّ التطوير كان الأولى أن يبدأ من المعلم، فتطوير لا يعطي المعلم حقه يعتبر مبتوراً.
حالة نفسية تهيم بالمعلم وحقوقه المهدرة تبدأ من الوقوف على حقوقه بدءاً من التقدير الوظيفي الكافي – ومن وجهة نظري الأهم – في أخذ مرتبته المستحقة في منحه المساحة الكافية للإبداع التربوي، والأخذ بمشاركته في صياغة واتخاذ القرارات التربوية والتعليمية من تكوين المناهج والمقررات الدراسية والقياس والتقويم، مروراً بتأمين متطلباته من الاستقرار الاجتماعي، وإبعاده عن الضغوط النفسية وتفهمها، والظلم الإداري ومتابعته، وتكريم (جميع) المتميزين بدلاً من إهمالهم، وجلب الخدمات لهم من احتياجات ومتطلبات يفتقدها داخل المدرسة أو خارجها كتأهيل البنية المدرسية، تقليص نصاب الحصص وعدد الطلاب داخل الفصل ليتمكن من القيام بواجبه وتحقيق رسالته، وكذلك التأمين الصحي، والأندية الرياضية، والإعلام التربوي (المتابع) لإنجازاته لا الملمع لمديري التعليم وللوزراة ومسؤوليها!
وبين مأزق البحث عن حقوق المعلم ورسالة التعليم من وزارته وإليها نجده مؤخراً كذلك يتأرجح بين تحقيق رسالته، والبحث عن حقوقه المهنية الاجتماعية تحت وطأة التذمر تارةً، وجلد الذات في أخرى، حتى أصبح المعلم لدينا مادةً سائغةً للتصريحات الساخنة والمقالات المتكررة بين التأنيب والتأليب، وبأعمدة الصحافة سبقاً وأخباراً، وبين أصابع رسامي الكاريكاتير تندراً، وأفواه المجتمع قصصاً تسيره وتراوحه بين الخطيئة والذنب أحياناً والبراءة (حيناً)، وداخل أقسام الشرطة والمستشفيات ضارباً أو مضروباً!
إعلامنا المرئي والمكتوب وبكل أمانة، شريك في إهمال المعلم والمساهمة في تحجيمه بتصويره إنساناً ذا مشاكل، يلبس نظارةً سوداء لمستقبل الأمة، بتهويلٍ وتصعيد لبعض الأخطاء التربوية لتصل نقداً مستهدفاً ليس دوره الإصلاح فقط، وإجحافاً لإبداعاته وأفكاره التربوية والتعليمية، فكم نجد معلماً مبدعاً تربوياً بتجارب متميزة قام بها أو قدمها فنجد إعلامنا وبعض المراسلين (الكرام) يحرفون ذلك التكريم ونقله فجأةً لمدير عام تعليم المنطقة أو لمدير المدرسة بنشر صورته والتعقيب على هذه التجربة متجاوزين تسلقاً صاحب الإنجاز!
أما مجتمعنا فقد أنكر الكثير منه دور المعلم وجعله عاملاً يقوم بدور وظيفي فقط، لا يتردد أفراده في الإساءة إليه أمام الجميع، بدءاً من أبنائهم داخل المنازل إما بالهمز أو باللمز، وصولاً لبعض أساليب التعامل اللاواعي من قبل بعض أولياء الأمور، وتجاوزات أبنائهم التي تصل لغرف العنايات المركزة!
ويبقى (المعلم) نفسه فإنني أجزم بأنه لن يفرض احتراماً وتقديراً له ولوظيفته ورسالته السامية سواه، فنحن غارقون بمتغيرات العصر، حتى غدت المعلومة بتعدد مصادرها في متناول الطالب الآن ويبقى الأهم كيف نجعل الطالب يحصل عليها دون وصاية أو تلقين، لذلك إن لم يكن المعلم متجدداً تربوياً وعلمياً وفكرياً، فاتحاً مجالاً للتفكير ونقاشاً حراً مع طلابه، مانحاً الأفضلية للعلاقة بينه وبينهم وعقولهم، وإلا فسيكون امتداداً للمعلم التقليدي والطبشورة ومسح السبورة!
المعلم عندما ينتمي للمجتمع الذي يعمل فيه، فإنه يؤكد التزامه، ويكون واضح المعالم بإدراكه لحاجات ذلك المجتمع، فهو سيكون حتماً قادراً على الوفاء بمتطلباته وتحقيق غاياته، فالتوافق الفكري والبيئي والاجتماعي من أهم السبل الكافية الكفيلة بتنمية التعليم، وإذا أراد المعلمون الاحترام والتبجيل الحقيقي فعليهم أن يقابلوا ذلك بالوفاء برسالتهم بكل تفان، والإحساس بالمسؤولية الواقعة على عاتقهم، فالمستويات المستحقة ليست هي فقط من أهدر حقوق المعلم، وحتى إن توفرت هذه المستويات، فسنعود للمربع الأول إن لم يؤمن المعلم برسالته الحقيقية مهما كانت المعوقات.
معلمونا الكرام محتاجون لوقفات صادقة، وخطوات جادة تكاملية مخطط لها لكل المبادرات الجميلة نحو المعلم بكل صدق وشفافية من وزارة التربية والتعليم لتحسين مستوياتهم ومكانتهم التي تليق بهم لتتوافق مع أهمية رسالتهم ودورهم البنائي لمستقبل أبنائنا ووطنهم.