علاقتي بالفن التشكيلي جاوزت الثلاثين عاماً على وجه التقريب ،صُقلت تلك الموهبة في المرحلة المتوسطة على وجه الخصوص ، وارتبطت تحديداً بمرحلة الثانية متوسط ، وقد عزز هذا الإرتباط شغفاً مدرس مادة الرسم آنذاك ، وهو الذي كرس علمه بهذا الفن المتجدد ،لإيصاله إلى تلاميذه بوصف هذه المادة من الـمقررات الدراسية التي يعتنى بها كثيراً ،مثلها مثل المواد الأخرى، كمادتي التعبير والإملاء اللتان فقدتا أهميتهما مؤخراً لسوء الحظ. وللأمانة، فقد كان هذا المعلم على قدر عال من المهنية ، خلقاً قبل أن يكون فنياً - ولسوء الطالع سقط أسمه سهواً من ذاكرتي المثقلة بالمتاعب مع كل أسف - .على كل حال ، مالبث أن تلاش ذلك الشغف بهذا الفن تدريجياً شيئاً فشيئاً ،حتى وكأني نسيت كيفية مسك ريشة الرسم ،وهي نتيجة حتمية مدعاة الإهمال والإنشغال بأمور أخرى كانت أكثر أهمية بالنسبة لي في تلك اللحظة ،على حد زعمي ،غير أن التحنان لهذا الفن لازمني ومازل يراودني ويراوغني بين الفينة والفينة، كلما لفت انتباهي نموذج للوحة فنية ملطخة بألوان الطيف هنا ،أو كلما جذب ناظري محتوىً تشكيلي من وحي الطبيعة، مزج بصبغٍ ارتفع ضجيجه على نسق عشوائي غير متسقٍ هناك ، مظنة الإعجاب والإهتمام.

ولعل من طريف القول أن من تلك اللوحات التي جذبتني وأشعلت فيّ الفضول والرغبة للعودة لهذا الفن ،هي لوحات لفنانة تشكيلية مبدعة ،إسمها أنهار هوساوي باحثة في الفنون البصرية ،فكلما قلبت ناظري في جنبات معرضها التشكيلي ،كلما تجمدت حواسي أمام لوحاتها الفنية المرصعة بالألوان الزاهية ، وكلما تصفحت موقعها على وسيلة التواصل الإجتماعي- الفيسبوك -كلما عادت بي ذاكرتي البالية إلى الوراء لتستذكر بعضاً من ماضي التليد في هذا الجانب ،لقد أيقظت هذه الفنانة في داخلي ذلك المارد النائم في سبات عميق منذ زمن بعيــــــــد .