على الرغم من الأرقام المبشرة للغاية التي أعلنتها وزارة السياحة ورصدت تطور القطاع السياحي في المملكة سواء في عدد السياح أو إنفاقهم أو حتى عدد وتنوع الأنشطة السياحية في مختلفة مناطق المملكة، إلا أن كثيرين ما زالوا يرون أن سياحة الصحراء، وعلى الأخص سياحة الكثبان الرملية لم تنل حقها بعد من الاهتمام اللازم والواعد خلاف ما نجده في عدد من دول المنطقة التي استثمرت هذا الجانب، حيث حوّلت تلك الكثبان إلى وجهة سياحية تستهدف محبي وهواة السفاري في العالم.

وفي مطلع العام الحالي، كشفت وزارة السياحة السعودية، عن أن إنفاق الزوار الذين قدموا إلى المملكة خلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2023 تجاوز الـ100 مليار ريال.

وبينت الوزراة أن المملكة حققت أعلى رقم تاريخي في إنفاق الزوار القادمين للمملكة حتى نهاية الربع الثالث من عام 2023، محققة فائضا قدره 37.8 مليار ريال، ونسبة نمو بحوالي 72%، وذلك مقارنة بالفائض الذي تم تحقيقه في الفترة نفسها من 2022.

وأشارت تلك الأرقام إلى تعافي القطاع السياحي في المملكة حيث ارتفعت نسبته إلى 150% مقارنة بمستويات ما قبل جائحة كورونا.

وخلال النصف الأول من العام الماضي بلغ عدد السياح الذين زاروا المملكة 14.6 مليون سائح، أنفقوا نحو 87 مليون ريال، وحققوا 261.966 ليلة إقامة، بنسبة نمو في أعداد السياح بلغت 142% مقارنة الفترة نفسها من عام 2022، فيما نما معدل الإنفاق 132% بالمقارنة بين نفس الفترتين.

غياب عن الخارطة

اتجهت الأنظار إلى الاستمتاع بالبرامج والأنشطة الترفيهية في المملكة، ومن بينها سياحة الكثبان الرملية، وعلى الأخص الانزلاق عليها، أو التمتع بمغامرات سيارات الدفع الرباعي، وهي نشاطات يعرفها سكان المملكة، لكن السائح أو الزائر يكاد لا يعرف أنها تمارس هنا لأنها بالكاد تذكر ضمن البرامج السياحية السعودية، أو تظهر على نحو خجول يمكنه أن يكون بصورة أفضل لو تم الاهتمام بها أكثر، ولو ركزت الشركات السياحية الكبيرة على هذا القطاع التي تمارس فيه بعض المحاولات التي يجزم كثيرون بأهميتها لكنهم يعتقدون أنها يمكن أن تحقق ما هو أفضل لو تم التركيز عليها إعلاميا.

توفر المقومات

تمتلك المملكة كل المقومات البيئية والإمكانات لمغامرات الصحراء، إلا أنها تفتقد البرامج المخصصة لتلك المغامرات التي يمكنها أن تقدم تجربة فريدة لزوار المملكة، ويمكنها أن تحقق زيادات في أعداد وإنفاق السياح، كما يمكنها أن تخلق فرص عمل للسعوديين.

ويفتقد السائح القادم إلى المملكة للمعلومات الوافية أو المرشد المتخصص ولدليل رحلات البر (الصحراء)، بما فيها تحديد المواقع المناسبة لكل برنامج أو مغامرة انطلاقًا من قيادة السيارات والدراجات النارية، إلى التزلج على الكثبان الرملية، والتخييم، وإقامة الفعاليات الخاصة لعشاق الصحراء.

ويمكن للسائح في المملكة أن يحظى بتجربة صحراوية أصيلة من خلال التخييم في مخيمات على الطراز البدوي التقليدي يتعرف خلالها على التراث الثقافي الغني لمناطق المملكة، كما تعرّفه على نمط المعيشة البدوية ومأكولاتها الشعبية، وحتى مظاهر الترحاب برقصة العرضة العربية. كما يمكن أن يحصل السائح على فرصة استكشاف البر أثناء ركوب الهجن «الجمال المزينة بالملابس والنقوش البدوية».

كما توفر صحارى المملكة بيئة خلاًّبة لعدسات المصورين؛ حيث يمكن التقاط الجمال الكامن في قلب هذه المناظر الطبيعية المعبرة عن فخامة وهيبة الصحراء العربية، أما بالنسبة لعشاق المغامرة فالتزلج على الرمال أو قيادة المركبات تكفي لتضفي نشاطاً مبهجاً.

تنظيم سياحي

أكد المرشد السياحي محمد المستنير وجود برامج لسياحة الصحراء، ولكنه حدد أن إمكانية تنفيذها لا بد أن تكون من قبل مختصين في الإرشاد والتنظيم السياحي لهذه المواقع؛ وذلك بسبب وعورة الطرق، والحاجة إلى تجهيزات كبيرة ومكلفة للقيام بهذه الرحلات.

ولفت إلى أن توفير السائح بنفسه لهذه التجهيزات يكلفه أضعاف تكلفة الرحلة مع منظم، فيما هي متوفرة أصلاً لدى منظم الرحلة الذي يجني ربحه من تنفيذ رحلات ذات أعداد كبيرة.

وأشار إلى أن عددا من السياح ينفذون رحلات إلى الصحراء بأنفسهم ولكن فقط في المواقع القريبة من المدن حيث يستأجرون مركبات من شركات التأجير، ويستعينون ببعض التجهيزات الخفيفة.

وأشار إلى أن ما يتم تقديمه في عدد من دول الخليج من مغامرات السفاري هو تجارب سياحية تركز على ساعات بسيطة من التجول فوق الكثبان، ثم التوجه إلى مخيمات تقدم ما يسمى بالليالي العربية، وهي الهدف الرئيس من تلك الرحلات.

واستدرك مؤكداً على أهمية أن تشتمل رحلات الصحراء على الاستكشاف وإثراء البرامج بما يرتبط بالذاكرة ويرتكز على هوية وثقافة المملكة، وقال «يجدر بنا الالتفات إلى أهمية التجارب الفعلية، التي تلتصق بذاكرة السائح إيجاباً، وهي التجارب المثرية وذات الجودة العالية التي تركز على الثقافة البدوية، بحيث يتعرف على مكونات الصحارى البيئية والحيوانية والإنسانية، ويتعرف على الأماكن غير المطروقة أو المستهلكة في الدول المجاورة، وهو ما نقدمه نحن بعيدا عن الليالي العربية وسهرات الصحراء التي نرى أنها تخرج العمل الجيد عن مساره».

وأضاف «حضر معنا عدد من السياح الذين مروا بتجارب سفاري في دول الخليج المجاورة، ومع ذلك فقد خرجوا بانطباع مذهل عن رحلات الصحراء السعودية وجودة ما يقدم فيها من أنشطة وبرامج تهتم بإيصال صورة عربية ساحرة لهيبة الصحراء، مقارنة بما أسموها رحلات اللهو».

وأكمل «التنافس الموجود في سفاري الدول الشقيقة، وبين الشركات المنظمة لها، لم يضفِ صورة مناسبة لهذه المغامرات بقدر ما أخرج العمل عن مساره الاقتصادي، حيث تديره شبكات من الأجانب تسعى للربح السريع، وتتنافس في تخفيض الأسعار على حساب الجودة».

وختم «أتمنى ألا تنزلق سياحة الصحراء لدينا إلى هذا المنزلق، وألا تستهلك الصحراء بشكل مزرٍ ينحصر فيما يسمى بالليالي العربية، وأن تبرز تجاربنا الصحراوية سحر صحرائنا وبريقها».

لماذا السعودية؟

يستعيد هاني اليوسف، وهو مالك وكالة سفريات، ومهتم بالسياحة الداخلية والخارجية الحديث عن رحلات السفاري، ويقول «في عام 2009 استمتعت بواحدة من أجمل الرحلات بين الكثبان الرملية في دولة خليجية، حيث أمضينا يوماً كاملاً في رحلة سياحية بدأت من الفندق بعد أن استلم الوفد شركة منظمة نقلت المجموعة بسيارات سفاري إلى الموقع، وكنت أتساءل حينئذ لماذا لا يوجد عندنا في السعودية أجواء ورحلات سفاري مثل تلك، خصوصاً أننا نمتلك مساحات كبيرة من الصحراء وكثبان رملية جميلة».

واستدرك «مع إطلاق رؤية المملكة ومواكبة وزارة السياحة لأهدافها، استحدثت أمور كثيرة داعمة للاستثمار السياحي وتطوير البنية السياحية، ومنها استحداث صندوق التنمية السياحي، وهيئة التطوير السياحي، وروح السعودية، وقد بدأ بعض الشركات بالاستثمار الفعلي في تنظيم رحلات سفاري في مناطق مختلفة من الدمام، طريق الرياض، (جوده) الأحساء ومساحتها المتنوعة من بحيرة الأصفر والصحراء الواسعة المحيطة، وكذلك الحال في منطقة الرياض، وفي القصيم، وعلى الأخص في موسم الشتاء، حيث يرتفع عدد المغامرين في تلك الرحلات».

و أردف «في بعض المناطق مثل الشرقية تهتم الأمانة بموسم الصيف والتخييم، حيث يقام سنوياً المنتزه البري على امتداد مساحات كبيرة، ويكون مخصصا للاستثمار لمنظمي الرحلات البرية، ولكن ما زال الاستثمار للشركات الكبيرة قليلا، ونترقب المبادرة منها»، منوهاً إلى أن «السائح يستطيع العثور على الرحلات مباشرةً من منظمي الرحلات الداخلية، أو عن طريق الإعلانات في موقع روح السعودية».

غياب الزخم

يؤكد المرشد السياحي أحمد الجويد على أن السياحة الصحراوية موجودة في المملكة لكنها لا تحظى بالزخم الإعلامي والإعلاني الكبيرين، خصوصا أن الشركات الكبيرة لم تطرق باب هذه السياحة على النحو المأمول.

وقال «جزء كبير من مساحة المملكة تشغله الصحراء، وأبرزها الربع الخالي، وهنا نشهد نمطا مميزا من أنماط السياحة بما فيها الرحلات الصحراوية، وزيارة المواقع، والتخييم، ممارسة بعض الأنشطة، ويكفيك تأمل النجوم والسماء، والهدوء بعيداً عن الأماكن المأهولة بالسكان لتشعر بجمال هذه الرحلات بما تتضمنه من فعاليات مثل التزلج على الرمال، طهي المأكولات الشعبية في المخيمات، ورياضة المشي الطويل، أو حتى جلسات التأمل».

وأضاف «هي مكتسبات سعودية أصيلة من بيئتها الأساسية، مع عراقة البادية وجماليات المعيشة المحلية، وقد بدأ هذا النشاط في هذا المجال، لكنه لم يحظَ بزخم إعلاني أو إعلامي يبرز قيمته وأهميته ونشاطه ولا يظهره بالشكل المأمول لاستقطاب السواح، على الرغم من وجود عدد كبير من المنظمين والمتخصصين في الإرشاد السياحي، سواء متخصصي رياضة الهايكنج، أو متخصصي رحلات الكهوف، والرحلات البرية، ومع ذلك لم تأخذ هذه الرحلات مكانتها التي تستحق من الاهتمام».

ولفت إلى أن فعاليات وبرامج رياضة الصحراء على الرغم من أنها تخدم جميع الفئات وحتى العائلات إلا أنها لا تستقطب حاليا سوى الفئة الشابة على الأغلب.

وأضاف «تبرز هذه الأنشطة في عدة مناطق منها صحراء الرياض، والعلا، والربع الخالي، والدور هنا يرتكز بشكل كبير على مقدمي الخدمات ومنظمي الرحلات لزيادة البرامج السياحية وتكثيف الإعلانات عنها لمشاركة أكبر عدد ممكن من السياح الأجانب أو حتى المواطنين والمقيمين فيها».

فعاليات تتضمنها السياحة الصحراوية

التخييم على الطراز البدوي

طهي المأكولات الشعبية في المخيمات

ركوب الهجن

التقاط الصور الجمالية للتشكيلات الصحراوية

التزلج على الرمال

قيادة سيارات الدفع الرباعي

قيادة الدراجات النارية

الاستكشاف والتعرف على مكونات الصحارى البيئية والحيوانية والإنسانية

التعرف على أماكن غير مطروقة أو مستهلكة

جلسات تأمل النجوم والسماء

التمتع بالهدوء بعيداً عن الأماكن

رياضة المشي الطويل

مواقع صحراوية سعودية تستقطب سياحة الصحراء

الربع الخالي

صحراء النفود

الدهناء

الرياض

العلا

الدمام

الأحساء

القصيم