صيانة لأمن ضيوف الرحمن، وتوقيرا لشعيرة الركن الخامس من الإسلام، تحرص المملكة العربية السعودية منذ سنين طويلة على التمسك بالعديد من المبادئ التي لا ترضى التنازل عنها أو المساومة عليها، حيث تشترط أن يكون جميع الذين يؤدون الفريضة ممن حصلوا على التصاريح اللازمة واستوفوا الاشتراطات الصحية وخضعوا للقاحات، إضافة إلى الابتعاد عن التعاطي مع القضايا العامة التي لا علاقة لها بالحج أو رفع الشعارات السياسية والتظاهر وغير ذلك مما يعكر صفو الحج ويخرج ضيوف الرحمن من الأجواء الإيمانية التي تحيط بهم.

ولم تتسامح المملكة إطلاقا مع كل من يحاولون انتهاك هذه المبادئ أو الخروج عن النظام العام، بغض النظر عن ماهيتهم أو أهدافهم، فالحج في تقدير القيادة السعودية شعيرة دينية خالصة لوجه الله لا ينبغي أن يتم استغلالها من أي جهة ولأي هدف، وهذا هو السبب الرئيسي في النجاحات المتتابعة التي تحققها المملكة في هذا الجانب والمتمثلة في الحفاظ على سلامة ضيوف الرحمن منذ أن تطأ أقدامهم أرض المملكة وحتى عودتهم إلى بلادهم.

خلال السنوات الأخيرة تزايدت حالات التسلل إلى المشاعر المقدسة لأداء الفريضة دون الحصول على التصاريح اللازمة، وهو ما تصدت له الجهات الأمنية بكل حزم وصرامة، باعتبار أولئك المتسللين خطرا يهدد سلامة الحجاج لاعتبارات كثيرة في مقدمتها عدم مراعاتهم للاشتراطات الصحية، فربما يكونون مصابين بأمراض خطيرة تهدد حياة غيرهم، إضافة إلى أنهم يضايقون الحجاج النظاميين في المرافق العامة ويتسببون في التكدس وازدحام الطرقات وغير ذلك من أنواع المعاناة.


ولمواجهة هؤلاء فإن وزارة الداخلية تقود جهودا متواصلة على مدار الساعة عبر فرقها المختلفة وأجهزتها المتعدّدة للتصدي لهؤلاء العابثين بالأنظمة والتعليمات، والذين يحاولون الاعتداء على حقوق غيرهم من الحجاج الذين استوفوا كافة الشروط والمتطلبات، في أوضح صور الأنانية وحب الذات.

ومع أن هؤلاء يعلمون أن الله تعالى اشترط على من يريد أداء هذا الركن من الإسلام أن يكون من المستطيعين، ماديا ومعنويا، وعلى الرغم من أن هيئة كبار العلماء وكافة الدعاة قد أجمعوا على عدم جواز الحج دون تصريح، وأوضحوا المفاسد التي تترتب على ذلك، وأن من يؤدي الفريضة بهذه الطريقة يؤثم، إلا أن هؤلاء قد أصموا آذانهم، ورفضوا الاستماع لكلمة الحق، وما زالوا يصرون على اقتراف تلك المخالفة.

ولأن أداء الشعيرة بهذه الطريقة يمثّل مخالفة واضحة للأنظمة والقوانين وينتهك حقوق بقية الحجاج النظاميين فقد بادرت السلطات السعودية إلى سنّ عقوبات صارمة بحق كل من يتم ضبطه، تتضمّن السجن لمدة 6 أشهر وغرامة مالية رادعة تتضاعف بتعدّد المخالفين المنقولين، وترحيل الناقل إن كان وافدا بعد تنفيذ العقوبات ومنعه من دخول المملكة وفقا للمدد المحددة نظاما، ومصادرة وسيلة النقل بحكم قضائي، إلا أن من اعتادوا على تجاوز القوانين ما زالوا يتمسكون بمحاولاتهم الفاشلة.

ومن العجب أننا نشاهد كثيرا على وسائل التواصل الاجتماعي إعلانات مضللة تهدف إلى الاحتيال على الراغبين في الحج من خلال مكاتب وهمية وغير نظامية يزعم أصحابها توفير مخيمات ووسائل نقل لمن يريدون أداء الشعيرة. ولم يدر هؤلاء لجهلهم أن الأجهزة المختصة تتابعهم بدقة وتلقي القبض على أمثالهم بصورة شبه يومية.

خلال الأيام الماضية تابعت المؤتمر الصحفي الذي عقدته وزارة الداخلية لقيادات قوات أمن الحج لهذا العام في مركز العمليات الأمنية الموحدة (911) بمكة المكرمة، والذي تناول خطط الوزارة الأمنية والمرورية والتنظيمية وتم التأكيد فيه على أن أمن الوطن والحجاج والمشاعر المقدسة كلها خطوط حمراء، وأن قوات أمن الحج ستقف بحزم ضد كل ما يمس ذلك، خصوصا منع مخالفي أنظمة وتعليمات الحج -ممن لم يحصلوا على تصاريح بالحج- من الدخول بفرض طوق أمني على مداخل مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، ولتحقيق هذه الغاية فإن كافة المشاعر تتم مراقبتها على مدار الساعة بالطائرات.

وكان لافتا خلال المؤتمر ما أعلنه مدير الأمن العام الفريق محمد البسامي، الذي أكد أن السلطات المختصة قامت خلال الفترة الماضية بإعادة 97.664 مركبة من مداخل مكة ممن لا يحمل مستقلوها تصريحا يخولهم الدخول، وضبط 140 حملة حج وهمية و64 ناقلا مخالفا لأنظمة وتعليمات الحج، وإعادة 171.587 شخصا من غير المقيمين بمكة المكرمة.

كما يبرز الدور الهام الذي تقوم به رئاسة أمن الدولة عبر قوات الطوارئ الخاصة في المحافظة على حفظ الأمن والنظام في مكة المكرمة والمدينة المنورة والعاصمة المقدسة وتأمين الحماية لضيوف المملكة وإدارة حركة الحشود وتنظيم رمي الجمرات وفق الخطط الأمنية. ولم تكتف الرئاسة بذلك بل عملت على تأهيل وإعداد الآلاف من منسوبيها، ليكونوا مسعفين ميدانيين قادرين على التعامل مع الحالات الطبية الطارئة التي تصادف الحجاج.

هذه الجهود الضخمة تؤشر بوضوح إلى حقيقة واضحة، هي أن المملكة تحرص على تنظيم موسم الحج بكل كفاءة واقتدار، وتوفير جميع الخدمات الضرورية لضيوف الرحمن وفي مقدمتها ضمان سلامتهم وصحتهم، ولا أدل على ذلك من إلغاء الأجهزة المختصة عددا من تصاريح حجاج الداخل -رغم امتلاكهم تصريح نظامية- لكنهم امتنعوا عن تلقي اللقاحات الخاصة بأداء فريضة الحج.

كما تؤكد أن حكومة خادم الحرمين الشريفين متمسكة بهذه المهمة المقدسة التي تضطلع بها والتي شرفها بها الله تعالى من دون سائر دول العالم، ولا تتهاون في سبيل ذلك، ولا ترجو ثوابًا إلا من الله تعالى، كيف لا وهي حاضنة الحرمين الشريفين ومهوى أفئدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.