وعلوان، سوري حلبي وفد على بلادنا في سنة 1980، وكانت جهودا ليست دعوية تعظ الغافل، وتعلم الجاهل، وترشد الضال، وإنما جهود حركية وتربوية في المعسكرات الشبابية الكشفية في جبال تهامة والسراة، وكثبان نجد، وشواطئ جدة، بل امتدت إلى سهول إنجلترا وغاباتها، قبيل وفاته بأشهر بسيطة، ليحاضر شباب الإخوان من مختلف الدول العربية والخليجية، وهي السنة ذاتها التي صدر فيها كتابه المشار إليه بقسميه قبل أن تخترمه المنية بأشهر، في أغسطس 1987.
يقول علوان في القسم الثاني من كتابه -آنف الذكر- ساردًا نماذجا من التخطيط الواقعي والموضوعي، بعد أن أمضى سنوات طويلة يدرب عليها الشباب: (حينما تبتلى الحركة الإسلامية بحاكم إرهابي لا ديني متسلط يعتقل الدعاة، وينكل بهم، ويلاحقهم أينما وجدوا، فمن المنطق والتعقل والحكمة أن تكون الخطة الدعوية على الشكل التالي:
الاقتصار في تبليغ الدعوة على التبليغ على السر، وذلك بالدعوة الشخصية، والاتصال الفردي.
الامتناع عن كل ما يستفز السلطة من كتابة، أو قول، أو فعل، أو تعريض.
الانتماء الظاهري إلى الجماعات التي تعني بالتربية الروحية، وتقصر تربيتها على تزكية النفس، وإصلاح آفات القلوب.
الارتباط بجمعيات تعليم القرآن، ومؤسسات البر والخير، والتعليم، للعمل للإسلام وللدعوة تحت مظلتها.
العمل الدائب والسعي الحثيث، ليصل الداعية إلى استلام درس في مسجد، أو خطبة على منبر، أو تعليم في مدرسة.
الابتعاد والتجنب والحذر، عن كل تجمع دعوي يثير الانتباه، ويلفت النظر، في إتلاف كل وثيقة أو نشرة، تسلط الأضواء على رجل الدعوة بأنه مرتبط بالدعوة.
وهكذا لا تعدم الجماعات الإسلامية المبادئ التخطيطية الواعية التي تضمن لها أمنها واستقرارها، ومسيرتها وبقائها)، ثم يقول بعد ذلك: (والحركة الإسلامية حين يقدر لها أن تعمل في ظل حكومة لا دينية تقف من الدعوة والدعاة موقف الاعتدال أو التغاضي في التعامل وحسن التياسر، فتخطيط العمل للدعوة يختلف كل الاختلاف عن التخطيط للحركة في ظل حكم طاغوتي إرهابي).
واستدعائي مقولة علوان في هذا المقال ، جاء لأمرين:
الأول: أني وجدت في رفوف أشهر مكتبة سعودية، كتبًا لأرباب الفكر الإرهابي، الذين طالما نظروا للفكر المتطرف، والفعل الإرهابي عبر كتبهم ودروسهم، فهذا هارب خارج الوطن فراراً من الملاحقة القانونية، وآخرون من غير أهل البلد يشتمون السعودية وأهلها وقادتها صباح مساء، وثالث موقوف على ذمة قضايا تحريض وتأليب وتطرف، ومع ذلك كله تجد كتبهم تباع وبكميات كبيرة، وتجني من ورائها الأموال، ولا أعلم السر وراء أن موقوفًا على ذمة قضايا تطرف وإرهاب من 2017؛ تطبع كتبه في 2020، وما زالت تباع في 2024، فالمنطق يقول: إن الدولة بأجهزتها العدلية والأمنية قامت بحماية المجتمع من فعل هذه الثلة المارقة عن الاعتدال والوطنية، فمن باب أولى أن يظل فكرهم بعيدًا كل البعد عن متناول الناس، ولا يعاد تصديرهم كشخصيات فكرية وعلمية عبر كتبهم من جديد من خلال منافذ البيع داخل البلد، التي يفترض أن تكون تحت رقابة صارمة، لا تدخر وسعًا في حماية فكر الناس من التطرف.
الثاني: انطلاق البرنامج المهم على قناة العربية «مراجعات» لضياء رشوان، الذي استضاف في أولى حلقاته عبدالجليل الشرنوبي، والحلقة تحتاج إلى عدة مقالات، لسرد ما فيها من معلومات غاية في الأهمية والدقة، وربطها بالعمل الحركي الجاري الآن في دول الخليج، ليطلع الغافل والمتساهل على فداحة الأمر.
وأشارككم هنا بجزء يسير مما جاء في اللقاء: فقد تحدث الضيف الكريم عن الحجم الهائل لرأس المال النقدي للجماعة الإرهابية، وأن التنظيم مهما بلغت محاصرته وخسائره، فإن رأس المال هذا لا يهتز لضخامة حجمه. كما أشار إلى أن عدم تأثر رأس مال التنظيم سيستمر، ما دامت آليات مواجهة التنظيم تسير كما هي عليه الآن، ولو استمرت المواجهة 200 عام، كما أشار الضيف إلى (إستراتيجية/تكتيك) المجموعات في التنظيم، والتي تتهارش في ما بينها للتعمية على الخطط، ولتنويع الأداء على أرض الواقع، ولتبرئة ساحة الجماعة في حال اكتشاف الخيانات والإرهاب الذي يجري على يديها، وبالتالي تُنفى مجموعة واحدة فقط من تلك المجاميع، وتوصم بأنها ليست من الإخوان وليست من المسلمين، كما أشار إلى معنى صائب وهو عدم وجود ما يسمى التيار القطبي والتيار البنائي، فالكل يمتح من فكر حسن البنا، وما جاء به سيد قطب ما هو إلا إعادة إنتاج وبعث لفكر البنا، وغير ذلك الكثير، وفي نهاية القول يطيب لي أن أقول هكذا هي المراجعات، وإلا فلا.
قارنوا بين استمرار تدفق كتب الصحويين على مكتباتنا، وبين حديث الأستاذ عبدالجليل الشرنوبي، وبين كلام علوان في صدر المقال، واحكموا.