بما أننا نقف (ولم نجلس حتى الآن) في مصاف الدول المتقدمة، والمتحضرة فكريا وتكنولوجيا، يشهد على ذلك إنجازاتنا وتميزنا في كل المجالات، وبما أننا اعتدنا أن نسمع عن استقالات المسؤولين بعد كل حادث لا يجد فيه المسؤول لنفسه ولا لأعضاء إدارته مبررا منطقيا يسوغ وقوعه، كنوع راق من نقد الذات وتقويمها، بل وإصدار الحكم الملائم عليها، حيث لا تعذر فيما أقدمت عليه، لذلك أخشى أن يتسرع المسؤول عندنا، ويبادر بتقديم استقالته بعد الحوادث المميتة المتتالية وغير المنطقية للقطار السعيد، على السكة اليتيمة، بالرغم من كثرة الكاتبين والمحذرين ومسلطي الضوء على مساوىء وضع السكة الحديد. وبالرغم من أنني لا ألومه لو أقدم على مثل هذه الخطوة، فهو يشعر بمسؤوليته أمام الله عن هذه الدماء البريئة التي تسفك على الطرق في كل مكان، بلا حول منها ولا قوة، بعد أن توكلت على الله وفوضت أمرها إليه وأحسنت الظن في المسؤولين، فمن هرب من السفر بالسيارة، خوفا من كمائن الطرق والتحويلات المفاجئة واختار القطار كوسيلة آمنة للانتقال، خصوصا مع العائلة، فوجىء بذات المصير، ولسان حاله يردد قوله تعالى (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم)، إلا أنني هنا، وبالرغم من كل شيء أود أن أحلف عليه ألا يستعجل في الإقدام على مثل هذه الخطوة، فالأمر أكبر بكثير من أن يتحمل وزره رجل واحد، بل يجب أن يبحث عن مشكلة الفساد واستئصالها من الجذور، مشكلة نمت وترعرعت طوال عقود من الزمن، حتى أتت أكلها في جيلنا هذا موتا وخرابا، لكن لي عتبا صغيرا على المسؤول عندما يتحدث عن حوادث القطارات في العالم، واصفا المملكة بأنها الأقل نسبة، ليته فقط يلتفت إلى أمر يسير وهو أننا لا نملك إلا قطارا أثريا وسكة واحدة، وهذا لا يعد شيئا يذكر أمام الدول (بدون ذكر أسماء) التي ترتبط مدنها بشبكة متكاملة من الخطوط، مع قطارات بمواصفات عالية، ثانيا أننا نسمي عرباتنا المتشقلبة بالقطار تجاوزا منا وتفاؤلا، وإلا فإنها لا تملك من خصائص القطارات شيئا إلا (السكة) التي بحمد الله غادرتها وسارت بعيدا في الصحراء. ولي عتب آخر على المسافرين بالقطار، يفترض بهم التعود على مثل هذه الحركات التي يكررها القطار كثيرا، لذلك ليتهم نفضوا ثيابهم من الرمل بعد الانقلاب وأعادوا القطار إلى السكة وغادروا من جديد. "ويا دار ما دخلك شر".