انتشر تعبير (نقال علوم) في الأوساط الاجتماعية مؤخرا، وهو مصطلح عامي يصف الشخص الذي يحب نقل أخبار الناس، ولا يستطيع أن يكتم أي حدث «سمع» به، وإن رأى الحدث بعينه فاعلم أن جميع أهل منطقته سيعلمون به أيضا. وهو ليس بالجديد كممارسة وتصرف فالممثل محمد الكنهل جسد هذا المفهوم وأتقنه في شخصيته الفضولية ولزمته الشهيرة التي ما زالت تتردد حتى يومنا هذا وهي «مادريتا».

تبدو الفكرة للوهلة الأولى بنمط الشخصية هذه مزعجة جدا، وبديهيا يجب تجنبها كي لا ينقل (علومنا)، لأننا لا نعلم ما الذي سينقله، وفي أي زاوية، ولمن سينقل قصصنا وحكايانا. نحن - وبلا شك ومع الأسف - محاطون في حياتنا بكل تفاصيلها بنوعية من هؤلاء. فهم معنا في مناسباتنا الاجتماعية، ومعنا في العمل، ومعنا حتى في مناسبات الأعياد التي تجمع كل درجات الأقارب.

لكن السؤال هل لم نتقمص ولم نعش هذا الدور بعفوية وبلا وعي يوما ما؟ هل من الممكن أن نكون (نقالي علوم) في أعين الآخرين؟ فكما أطلقنا هذا الوصف على الآخرين، من الممكن أن يطلقه الآخرون علينا، فقط من خلال موقف معين، أو من خلال تصرف نراه نحن عفويا وغيرنا يراه نميمة و(نقل علوم الغير)؟


إجابتي عن التساؤل السابق قد تبدو صادمة وقاسية بعض الشيء. نعم نحن ننقل العلوم ونعشق من ينقلها ونسعى جاهدين لأن نتقرب ممن ينقل العلوم في أي مجال. ونسعى للحصول على معلومة حصرية لكي ننقلها للآخرين كمصدر حصري لها. فنحن نمقتهم ونقول بملء العبارة (يا رجال انتبه منه تراه نقال علوم، تراه مسوي متمصدر وغيرها). فطبيعة الإنسان الفضول، يبحث دائما عمن يلبي ويشبع هذا الفضول. فمسمى نقال علوم هي نفسها فكرة الصحفي المجتهد الذي يبحث عن المعلومة وينشرها للمتلقي المتعطش.

في المجال الرياضي الوضع كله (نقل علوم) و(تمصدر) على أن تنجح إحدى المعلومات مرة وليكون صاحبها بمثابة المخبر الصحفي.

في مجالسنا ومقاهينا واجتماعاتنا دائما من يقول لنا الحصريات وينقل العلوم الحصرية، ومن يكمل لنا الأفكار الناقصة هو من يحظى بنصيب أكبر من مسامعنا وتركيزنا. فلا إعلام دون نقل علوم ولا مجالس وأحاديث ممتعة دونها.

نعم جزء من المتعة المجتمعية أن ننقل العلوم ونتناقل القصص، ولكن بكل تأكيد مع الحفاظ على أخلاقياتنا، وعدم المساس بكرامة الأشخاص، ولا تجاوز للحدود الواضحة.