لم يَعُد دور الشركات والمؤسسات الاستثمارية والتجارية يقتصر على جودة المنتجات والخدمات المقدمة، أو على ارتفاع الأصول والأرباح والتوسع في التجارة والفروع والمنشآت وغيرها، بل أصبح دور الشركات والمؤسسات يُقاس أيضًا بالتنمية البشرية وتطوير القدرات الفردية، ومدى قيام هذه الشركات بتعزيز قدرات موظفيها وتنمية مهاراتهم وتأهيلهم ومدى جاذبية البيئة التي يعملون بها، وتقديم الميزات المالية والإدارية لموظفيها. ومن المتوقع مستقبلاً ظهور نتائج تصنّف تلك الشركات والمؤسسات الاستثمارية والتجارية التي تقوم على بالدور المثالي في التنمية البشرية بشكل ممنهج ومستدام، وتقوم على التأهيل والتطوير وتدريب أفراد المجتمع بشكل عام.

مؤشرات أداء التنمية البشرية أصبحت معيارًا مهمًّا لدى المجتمع، ولم تَعُد قاصرة على المؤسسات التعليمية والتدريبية، بل أصبحت أكثر نضوجًا وأهمية في بيئة وسوق العمل. لذا، على المؤسسات والشركات اتخاذ خطوات ملموسة وواضحة في تفعيل مؤشرات أداء التنمية البشرية من خلال التطوير والتدريب، وأن تعمل داخليًّا على القيام بما هو أحد أهم أدوارها، وذلك بتأهيل وتخريج قيادات وكوادر ذات مهارة وإمكانية عالية، والعمل على تصميم مؤشرات أداء دقيقة في هذا الشأن مع القيام بالقياس واستحداث خطط للتحسين المستمر. وينبغي أن تكون رؤية وأهداف ومؤشرات أداء التنمية البشرية منبثقة ومتوائمة مع البرنامج الطموح لتنمية القدرات البشرية السعودي، والذي هو أحد برنامج رؤية المملكة ٢٠٣٠، والذي أطلقه سمو سيدي ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء -حفظه الله-، وكانت لسموه الكريم كلمة إثرائية في هذا الشأن "ثروتنا الأولى التي لا تُعادلها ثروة مهما بلغت: شعبٌ طموحٌ، معظمُه من الشباب، هو فخر بلادنا وضمانُ مُستقبلها بعون الله".

ومن الأمثلة الرائدة في تنمية القدرات البشرية؛ شركة أرامكو التي خرجت قيادات وكوادر على مدى عقود من الزمن، أثروا وزارات وهيئات ومؤسسات وشركات أخرى، وكذلك شركة سابك والذي كان آخر إنجازاتها البشرية هو معالي وزير التعليم الحالي الأستاذ يوسف بن عبدالله البنيان، والذي كان رئيسًا تنفيذيًّا لشركة سابك، وكذلك الرئيس التنفيذي السابق لمجموعة الدكتور سليمان الحبيب الطبية الأستاذ ناصر بن محمد الحقباني، والذي أصبح الرئيس التنفيذي لشركة الصحة القابضة.


والواجب علينا كأفراد في المجتمع إعلاء مكانة وقيمة كل من أثرى المجتمع والاقتصاد الوطني عبر مسلك التنمية البشرية ومبادئها وبشكل مستدام، ونستذكر هنا تجربة شركة عبدالله العثيم للاستثمار الرائدة في التنوع الاستثماري على مستوى الشرق الأوسط، والتي وظفت الآلاف من المواطنين وتدريبهم بالشكل المناسب، وأصبح الكثير منهم مؤهلاً لأن يدفع عجلة التنمية والاقتصاد الوطني. ومن الجدير بالذكر، وقعت الشركة العشرات من الاتفاقيات لتدريب وتأهيل أفراد المجتمع، والتي كان آخرها تخصيص آلاف من الفرص الوظيفية والتدريبية لأبناء وبنات الوطن في ملتقى المهارات والتدريب "وعد" الذي نظمته وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بمدينة جدة. ذراع التدريب والتطوير بشركة عبدالله العثيم للاستثمار هو كلية جامعية أكاديمية بحد ذاتها تقوم بالتعليم والتدريب والتأهيل لتخريج كوادر وقيادات ذات سمعة عالية ينعكس إيجابيًّا على المجتمع والاقتصاد.

‏خِتامًا، المطلوب أن تقوم جميع الشركات والمؤسسات بدورها تجاه أفراد الوطن، وذلك عبر مسار التنمية البشرية المستدامة لموظفيها وتأهيلهم وتعزيز قدراتهم بخطط مدروسة وأهداف واضحة، كما يجب أن تساهم في تدريب وتأهيل الخريجين أو المقبلين على سوق العمل، هذا هو الواجب الحقيقي المناط بهم في قادم الأيام، وذلك لإعلاء سمعة هذه المؤسسات والتفاخر بها. كما على الشركات والمؤسسات الاستثمارية والتجارية الناجحة أن تتباهى بمخرجاتها من القياديّين والناجحين الذي نَهلُوا من الخبرات والتجارب لأن يصبحوا أفرادًا ناجحين في مؤسساتهم أو غيرها، والذي هو يصب في مصلحة جودة الحياة وسوق العمل والاقتصاد الوطني.