عاما تلو الآخر تواصل المملكة مساعيها الخيّرة لمساعدة ضيوف الرحمن على أداء مناسكهم بيسر واطمئنان، حيث تبذل جهودا عظيمة وتضيف مرافق جديدة وتراجع آليات العمل، وتوظّف كافة مقدراتها وإمكاناتها الهائلة لتحقيق هذه الغاية النبيلة، ولا تدّخر وسعا في هذا الصدد، حيث تشهد المشاعر المقدسة والحرمان الشريفان إضافات وتحسينات بشكل مستمر، تهدف كلها لمساعدة الحجاج وتحويل أداء هذه الشعيرة المعظّمة إلى ذكرى طيبة في نفوسهم وتظل مضيئة في دواخلهم مدى الحياة.

وفي سبيل ذلك أنفقت المملكة مئات المليارات من الريالات لتوسعة الحرمين الشريفين ومضاعفة سعتهما الاستيعابية، إضافة لإنشاء جسر الجمرات وقطار الحرمين وشق الطرق وسفلتتها وتزويدها بالمرافق الأساسية وغير ذلك مما لا يسع المجال لحصره في هذه المساحة.

ولم تقف جهود التحسين والتطوير على مجرد البنية التحتية والإنشاءات، حيث شهدت السنوات الماضية توسعا كبيرا في استخدام مخرجات التقنية وتوظيف قدرات الذكاء الاصطناعي لإخراج موسم الحج في أبهى حلة وأفضل صورة، حيث تم إطلاق العديد من المنصات الرقمية مثل (منصة الحج الذكي) وبرنامج (تفويج) وبرنامج (الرقابة على الخدمات)، كما تم توفير ساعات ذكية لتمكين الحجاج من طلب المساعدة الطبية والأمنية والتوجيه.


واستخدمت كذلك بطاقة (شعائر) الذكية المرتبطة بتطبيق إلكتروني متطور يسهل أداء المناسك، وهي تتضمن جميع المعلومات الشخصية واستعراض الحالة الصحية ومعرفة العلامات الحيوية، كما تتوافق مع المواصفات الفنية ومعايير الأمان المعتمدة بدقة وتحتوي أيضا على رمز الاستجابة السريعة، وترميز أحادي الأبعاد تتم قراءته للتحقّق من معلومات حامل البطاقة، إلى جانب ميزة هوية النطاق المكاني لإرشاد التائهين.

حتى داخل الحرمين الشريفين بدأ استخدام روبوتات للتعقيم وتوزيع ماء زمزم على الحجاج، وتوجيه ضيوف الرحمن، كما صارت خطبة عرفة تترجم للكثير من اللغات العالمية واللهجات المحلية، مما ساعد القنوات الفضائية في معظم الدول على متابعة هذا الحدث الفريد وبثه على الهواء مباشرة.

وتوسّعت وزارة الداخلية التي ظلت على الدوام سبّاقة في استصحاب المخرجات التقنية وتسخيرها لصالح تعزيز وفرض الأمن في استخدام هذه التقنيات لخدمة الحجيج، وقامت بتدريب كوادرها على استيعاب آخر ما توصل إليه العالم من أدوات اتصال تتيح تبادل المعلومات وتمريرها، وتقديم جميع أنواع المساعدة لضيوف الرحمن بلغاتهم ولهجاتهم الخاصة.

كما أولت أهمية قصوى للاستفادة من المنصّات التقنيّة الأمنية المتعلّقة بتوفير البيانات وتحليلها ومعالجتها، والبوابات الإلكترونية التي تحصي العدد الدقيق للمعتمرين والحجاج والزوار للاستعانة بها في إدارة الحشود وغير ذلك من المعلومات، واستخدام عدة برامج متخصّصة مثل برامج تحليل الفيديوهات والصور، وغير ذلك من تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

وإذا ما استصحبنا مبادرة «طريق مكة» التي يستمر تطبيقها للعام السابع على التوالي سندرك حتما مقدار هذه الجهود، حيث تهدف المبادرة إلى مساعدة ضيوف الرحمن وابتكار أساليب تسهل عليهم أداء المناسك، حيث تشرف عليها وزارة الداخلية بالتعاون مع وزارات الخارجية والصحة والحج والعمرة، إضافة إلى الهيئة العامة للطيران المدني، وهيئة الزكاة والضريبة والجمارك، والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي «سدايا»، وبرنامج خدمة ضيوف الرحمن، وشركة علم.

هذه المبادرة الرائدة تقوم على استقبال الحجاج وإنهاء إجراءاتهم من بلدانهم، بدءا من إصدار التأشيرة إلكترونيا وأخذ الخصائص الحيوية، وإنهاء إجراءات الجوازات في مطار بلد المغادرة بعد التحقّق من توافر الاشتراطات الصحية، وترميز وفرز الأمتعة وفق ترتيبات النقل والسكن في المملكة.

لذلك فإن الحجاج وبمجرد وصولهم إلى المطارات السعودية يتم نقلهم على الفور إلى حافلات إلى مقار إقامتهم في مكة المكرمة والمدينة المنورة بمسارات مخصّصة، في حين تتولى الجهات الخدمية إيصال أمتعتهم إلى مساكنهم، مما يجنبهم الزحام وإضاعة الوقت في إجراءات روتينية مطولة، وتخفيف الضغط على المطارات.

وعلى صعيد التجاوب مع متطلبات الحفاظ على البيئة فقد تم إقرار وتنفيذ العديد من المبادرات، مثل تطبيق مبادرة المشاعر الخضراء التي تهدف لمعالجة مئات الأطنان من النفايات العضوية والصلبة، والاستفادة من عشرات الآلاف من قطع الإحرام المستعملة ليعاد تدويرها وإنتاجها لتقليل تكلفتها بمقدار نصف قيمة المنتجات المستوردة، والاستفادة من آلاف العلب البلاستيكية والمعدنية ليعاد إنتاجها وتدويرها، وكذلك ترشيد الاستفادة من لحوم الهدي والأضاحي وجمعها وتعبئتها لتوزع على الفقراء في مختلف الدول الإسلامية.

هذه المبادرات المشرقة والجهود المتواصلة التي تستند على العلم والمعرفة وتتسق مع التوجّهات العالمية للحفاظ على الكوكب تمتزج مع التعامل الراقي لعناصر وزارة الداخلية وكافة العاملين في موسم الحج الذين يتنافسون في مساعدة ضيوف الرحمن وتقديم العون لهم، تسبقهم ابتساماتهم الودودة حيث ينتشرون في كل المرافق على مدار أيام الموسم المبارك، يحيطون الحجيج بعنايتهم ورعايتهم، يساعدون هذا المريض ويترفقون بتلك المُسنّة ويرشدون ذاك التائه، ويسهرون لراحتهم دون أن يرمش لهم جفن أو تغفو لهم عين.

ولا ننسى في هذا المقام ما يظهره هذا الشعب النبيل من استعداد وجاهزية لخدمة ضيوف الرحمن بعد أن جعلوا ذلك هدفا أساسيا لهم وبات شعارهم الخالد «خدمة الحاج شرف لنا».

وفي نهاية المطاف فإن النتيجة النهائية هي لوحة في غاية الجمال والاكتمال، تضع لمساتها النهائية قيادة حكيمة ويتابع تفاصيلها أمير شاب شغوف بالإجادة والتجويد ولا يرضى بغير التميز والإتقان، ويشرف عليها بصورة مباشرة ملك رفض كافة ألقاب الفخامة والجلالة واختار أن يكون خادما للحرمين الشريفين، وما أعظمه من لقب وما أشرفها من خدمة.