وحيث كانت اجتهادات المفسرين قديما لتفسير معنى «الحياة» في هذه الآية تقتصر على تحقيق الردع والضبط للمجتمع، فإننا اليوم نجد أنفسنا بصدد معنى آخر للحياة يمكن تحقيقه من خلال الموت، إلا وهو الاستفادة من أعضاء المحكومين بالقصاص، وذلك باستبدال آلة الإعدام وشكله بحيث يكون موتا لا تفسد معه الأعضاء.
أتفهم حساسية الأمر، لكنني أعلم أنه يُطرح على استحياء في بعض الأوساط الطبية، حيث تتزايد طوابير المنتظرين للأعضاء المتبرع بها، وقد تنتهي حياة شخص قبل أن يصل إلى دوره في الحصول على أعضاء مناسبة.
كما أتفهم المحاذير الشرعية والأخلاقية التي يمكن إثارتها حول الموضوع، ومن هنا أدعو إلى إعادة النظر في المقاصد الشرعية من القصاص، وهل يمنع من تحققها توجيهها نحو زراعة الأعضاء؟
الحقيقة إن التأمل في عقوبة الإعدام، ابتداء من حكمة التشريع مرورا بالتنفيذ وانتهاء بالأثر الناتج عنها على كل الأصعدة، يصل بنا إلى وجاهة الفكرة، بل ضرورتها، إذ بها يتحقق الردع ويرتفع سهم الأمن المجتمعي. كما تتحقق العدالة للضحايا والسكينة لذويهم، ولكن في الوقت نفسه سنجد معنى أكثر سموا لروح المذنب، فهو لا يموت موتا صغيرا، ولا يهدر جسده الذي استودعه الله معجزة الخلق العظيمة.
من جهة أخرى، سنشهد تغييرا في طقوس القصاص المؤلمة، إذ سيكون موتا سريريا أقل خوفا وألما، ولكنه أكثر قيمة، وأكثر إكراما لروح هي في رحلة ندم وتكفير عن ذنوبها.
أخيرا، لقد كان إقرار نظام التبرع بالأعضاء تدشينا لمرحلة جديدة تعددت فيها سبل الإنقاذ والشفاء، وتعزز من خلالها نظامنا الصحي، وأصبح الأمل في حياة جديدة أكثر من مجرد كلام يقال. وأعتقد أن إقرار مشروع علمي للإفادة من أحكام الإعدام لهذا الغرض سيكون تحولا إيجابيا كبيرا، ورافدا لا يستهان به لمادة الحياة والتبرع بالأعضاء.