خلف كل قصة مثيرة للشك والريبة تجد عبارة "حدثني أحدهم" أو "أحد الثقات"، وقد تكون هذه القصة ضرباً من الخيال، لكن المتحدث بها قد ضمن أنه لن يدافع عن نفسه، أو يستهلك وقتاً للتبرير، فعنده جمهور مستعد للتضحية والفداء حتى في سبيل الكذب، والسير إلى أي طريق يختاره المتبوع ويسلكه، فحديثه قابل للتصديق، ومجرد "تدينه" يعطيه مصداقية أكثر، تشبه مصداقية إعلانات البنوك عن "البطاقات الإسلامية"!

أصبح "التساؤل" لدى البعض شيئاً غير موجود، مفقودا، أو معطلا، لم يستخدمه بعد. لماذا وكيف، من، ما علاقة هذا بذاك، وماذا بعد؟ ولكن.. كل ما سبق من الأسئلة تغيب حين يحدثهم البعض ويبدأ بقوله "حدثني أحد الثقات"، فهذا الثقة المجهول أصبح حديث المجالس، وقد يكون غير موجود أصلاً، ويتناقل الأفراد الأحاديث فيما بينهم، وقد تجد بعضهم يتبرع - لوجه الله - ويقوم بالحلف أن القصة حقيقية، وهو لم يحضر أصلاً.

يقول أحدهم إن بطريقاً كان يطير، ثم سقط، فتجمع البطارقة من حوله، ووجدوه يردد "ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع"، فضحك البطارقة. تخيلوا لو قال لكم أحد الأشخاص قصة البطارقة وسقوط البطريق الطائر، وقام آخرون لم يشاهدوا بطريقاً في حياتهم بنقل القصة إلى آخرين يعرفون أن البطريق لا يطير، هنا ستبدأ معركة كلامية بين طرفين، أحدهما يعرف أن البطريق لا يطير، وآخر لم يشاهد البطريق ولكنه يثق في شخص ما مجهول الهوية يدعى "أحد الثقات" تم نقل حديثه عن طريق "أحدهم"، فعم الجهل القطب الشمالي، دون أن يسأل المدافع عن قصة طيران البطريق وسقوطه نفسه: ما هو البطريق أصلاً؟