بعد أن كان من المعتاد أن يسكن الأبناء وزوجاتهم وأولادهم في منزل الوالدين، باتت نزعة الاستقلال بالسكن تنمو وتصبح أمرًا طبيعيًا وعاديًا مع التقدم في الحياة، ورؤية الأمر كمسألة طبيعية بعدما كان يعد واحدًا من العيوب والمثالب، خصوصًا أن البيوت قديمًا كانت كبيرة وتتسع لأكثر من عائلة من الأبناء الذي يعيشون مع أبنائهم وزوجاتهم في كنف البيت الكبير الذي يتسع للجميع.

هذا التحول، لا يزال يجد بعض المقاومة في بعض الأحيان، حيث يرى كثيرون أن سكن الزوجة مع أهل الزوج مطلوب، خصوصًا في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة على الأخص في بدايات الزواج حيث يحتاج الزوجان إلى من يساندهما ويخفف عنهما المصاريف، فيما يرى آخرون أن مخاطر هذه المشاركة في السكن أكبر من أن يمكن تحملها أو حتى الرهان على عدم تأثيرها السلبي على الحياة الزوجية للابن وزوجته.

ويرى كثيرون أن العيش المشترك يحتاج إلى تثقيف الأسر ونشر الوعي بما يضمن عدم التداخل ونشوب المشاكل وتأثيرها السلبي.


ممارسة شائعة

ترى المختصة التربوية سميرة آل دويس، أن سكن الزوجة مع أسرة زوجها تعد من الممارسات الشائعة، وتقول «هذه ممارسة شائعة، ولو أنني أرى أنه في الآونة الأخيرة بات كثير من الأبناء يبحثون عن الاستقلالية وتكوين أسرهم بمعزل وبعيدًا عن بيت الأهل، وإن كانت بعض الأسر لا تزال تنظر إلى هذا الأمر على أنه خروج عن عباءة الوالدين عند بعض الأسر».

وهي تعتقد أن هذه الممارسة على الرغم من شيوعها فإنها لا تخلو من بعض السلبيات، وتؤكد «مهما كانت علاقة الزوجة بأهل الزوج جيدة، فإن سكنها في بيت الأسرة يجعل من حياتها الزوجية مسرحًا وكتابًا مفتوحًا لأهل الزوج، ويجعلها غير قادرة على أن تحكم ما إن كانت حياتها الزوجية ناجحة أم لا، وبالتالي فإنها لا تعلم ما إن كانت تجربتها إيجابية أم سلبية».

مسؤولية توفير المسكن

تبين آل دويس «المرأة ليست مسؤولة عن توفير سكن الزوجية، وليست مسؤولة عن تحمل تكاليفه حتى لو كان ذلك من باب المشاركة، ومن وجهة نظري فإن دور المرأة في الشراكة الزوجية يقتصر على الاهتمام بشؤون المنزل، والمشاركة في التربية، أما الأمور المادية فتبقى من اختصاص الرجل، ومن ضمن مسؤولياته الأساسية، ويمكن مساعدته في إنجازها في حال كانت هناك علة، وأقصد بالعلة الظرف الصحي الذي يحول دون قيامه بمهامه».

وتتابع «المنزل مكان للحماية والدعم والاستقرار النفسي والعاطفي والاجتماعي أيضًا إذا ما توفر الاحترام والاهتمام والمودة والقبول، وعلى طرفي العلاقة الزوجية أن يتعاملا مع مؤسسة الزواج تمامًا مثل أي مؤسسة يحرص العاملون فيها على إنجاحها بشتى الوسائل والطرق، ومن هنا أرى أن الوضع الطبيعي للحياة الزوجية هو أن تقام بعيدًا عن الأهل، فالاستقلالية مطلب حتى لو شعرت الزوجة أنها سعيدة لوجودها مع والدي زوجها، فسعادتها هنا مؤقتة لأنها لم تضع مؤسسة زواجها في الوضع الطبيعي، ولم تخضع لاختبارات لمعرفة مدى توافقها مع زوجها وقدرتهما على مواجهة مشاكلهما بعيدًا عن الأهل».

تجنب التدخلات

تبين آل دويس أن «نسبة كبيرة من الشباب حاليًا باتوا أكثر ميلًا نحو الاستقلال بعائلاتهم حتى لو كانت تكلفة السكن والمعيشة غالية، وذلك تجنبًا لتدخلات الأهل، وكذلك لإثبات قدراتهم على إنشاء عائلة جيدة.. والمجتمعات في الوقت الحالي أصبحت أكثر وعيًا بأهمية استقلال أبنائها، وباتت تتفهم حرصهم على الاستقلال في سكن خاص، وتحترم رغبتهم ولا تراها أمرًا معيبًا أو مسيئًا».

شعور بالأمان

تأييدًا لما ذهبت إليه آل دويس، فإن سماح أم عبدالله، وهي ربة منزل ترى أن كثيرًا من الرجال ما زالوا يفضلون العيش مع الأهل حتى بعد زواجهم، وذلك لتوفر المساحة والشعور بالأمان، وقالت «هذا يسبب كثيرًا من الضغوطات الإضافية وغير المجدية للأسرة الناشئة، وعلى الأخص إذا كان هناك اختلاف في الثقافة والمتطلبات، فقد يصل التدخل من قبل أهل الزوج إلى التحكم بالخروج والدخول وطريقة تربية الأطفال».

وتضيف «العيش مع أهل الزوج ليس الخيار الأمثل للزوجة التي ستجد نفسها مسؤولة وتحت ضغط عائلة كاملة بدل شريك حياة واحد من المفترض أن تسعى معه لفهم بعضهما بعضًا، ووضع خطط مستقبلية لبناء أسرة مكتملة الأركان».

حد للتجاوزات

تعتقد مريم أم أحمد، أن الأمر يتوقف على كبار العائلة، وهم من يضعون حدًا للتجاوزات وحفظ الحدود وزرع المودة والمحبة بين أبنائهم وزوجاتهم والأحفاد، وقالت «أنا أعيش بجوار منزل أهل زوجي، ولا أجد أن الأمر صعبًا، على العكس، فقد وجدت منهم المساندة لي في أمور كثيرة، ويعود الفضل لوالد ووالدة زوجي، لكوني موظفة وأترك أطفالي مع الخادمة عند أم زوجي، كما أصبح أطفالي وبالمقارنة مع الأطفال الذين يعيشون بعيدًا عن أهالي الآباء طليقي اللسان وشخصيتهم قوية لجلوسهم مع الكبار واحتكاكهم مع أقاربهم».

لكنها تستدرك، وتضيف «يبقى الأمر رهنًا بطبيعة وعقلية أهل الزوج، وكذلك رهنًا بالزوجة أيضًا».

وتابعت «لا مانع من مساعدة الزوجة لزوجها ماديًا في الحدود الواجبة والضرورية لتخفيف أعباء مصاريف المنزل خصوصًا مع الغلاء المعيشي الذي نشهده في الوقت الحاضر».

طابع تقليدي

توضح الأخصائية الاجتماعية هاجر الهاجري أن «المجتمع السعودي يتميز بطابع قبلي تحكمه العادات والتقاليد، والتي تجسدها الأسرة الممتدة قديمًا بصورة أكبر من الوقت الحالي، وكان يُطلق على منزل العائلة (البيت الكبير). حيث تكون السيطرة للجد، وهو المرجع لجميع أفراد الأسرة».

وتضيف «في وقتنا الحالي ما زال هناك بعض البيوت التي تفرض قوانين ملزمة على أبنائها وقد تصل إلى الأحفاد».

وتكمل «من الدوافع الأساسية للسكن الجماعي بعد الزواج الرغبة في تقوية الروابط، وإظهار قوة الجمع أمام مجتمعهم القبلي».

وتواصل «هناك جوانب سلبية وجوانب إيجابية في العيش مع أهل الزوج كباقي الجوانب الأخرى التي نعيش معها في الحياة».

طغيان السلبي

تؤكد الهاجري أن الجانب السلبي في سكن الزوجة مع أهل الزوج قد يطغى على الإيجابي، وتبين أن ذلك يعود إلى عدة أسباب، تفندها بقولها «أول تلك الأسباب هو التدخل من قبل أهل الزوج في حياة الابن، وعدم السماح له بالظهور كفرد يمكنه اتخاذ القرارات المناسبة لمصلحة أسرته الخاصة والصغيرة، وهذا ما ينعكس سلبًا على بناء شخصيته، وبالتالي ضعفها أمام الزوجة التي تريد الاستقرار وبناء حياة زوجية متناغمة الأفكار ومستقلة بذاتها لتكوين أسرة لها طابع متجدد ومحافظ على العادات والتقاليد بالشكل الصحيح».

وتضيف «ثاني الأسباب أن الزوجة قد تعاني من كبت المشاعر، وعدم القدرة على التعبير تجاه طريقة تعامل أهل الزوج معها».

وتتابع «ثالث الأسباب، عدم الاستقلال المالي للزوجة والزوج، ومع تدخل أهل الزوج في شؤون العائلة المالية فإن سلبيات السكن مع أهل الزوج قد تكون سببًا في عدم سعادة الزوجة».

تقبل التغيير

تعتقد الهاجري أنه يتوجب على الأسرة أن تتقبل التغيير، وأن تواكب متطلبات واحتياجات أبنائها، وأن تدخل بشكل إيجابي، وأن تدعم الأبناء بالوعي، وأن تساعد في بناء أسرة مستقرة ومستقلة.

وتشرح «هذا لا يعني التجرد وبُعد الزوجة عن أهل زوجها، بل العكس تمامًا، فهي مطالبة باحترامهم والسعي إلى توطيد علاقات صحيحة وصحية معهم، مع وضع حدود آمنة حتى لا تصطدم العلاقة بعقبات تؤثر عليها سلبًا».

الحالة المادية للزوج

تبين الهاجري أن من الأمور التي تعود على الزوجة بعائد إيجابي وتقوي علاقتها بزوجها تقديرها لظروف الزوج في حال كان هو المسؤول عن والديه، ولو ألزمها أن يكون السكن إلى جوارهما فعليها أن تتقبل الأمر، وأن تتعاون معه في ذلك، وهذا ما أمر به ديننا الحنيف من رعاية للوالدين وبرّهما بشرط ألا يتدخل الوالدان في شؤونها.

وتضيف «ربما يفضل بعض الأبناء السكن مع والديهم لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف السكن المستقل والمنفصل في بداية حياتهم الزوجية، وهنا على الزوجة الاختيار، فإذا علمت أن أهل الزوج على قدر عالٍ من الوعي والتقدير وعدم التدخل وإثارة المشاكل فيمكنها الموافقة والسكن معهم لفترة من الزمن، والاتفاق مع الزوج حتى يتمكن من الاستعداد للاستقلال في سكن منفصل في الوقت الذي يتناسب مع قدرته المالية».

وتكمل «تتطلب منا الحياة الوعي الكافي في كيفية العيش والتعامل مع مجرياتها، فما قد يكون صحيحًا ومتناسبًا مع أحدهم قد لا يكون كذلك مع آخر، لذلك فإن نشر الوعي في المجتمع وتثقيف الأسر بمعنى التغيير وبأهمية استقلال الزوجة وما يعود بالنفع عليها وعلى زوجها وبيتها، فحين تكون المرأة مالكة لقرارها في بيتها، وقادرة على تنشئة أبنائها وفق رؤيتها ودون تدخلات، فإن الحياة تكتمل في هذه الحالة وتعيش الأسرة كما ينبغي لها».

إيجابيات لسكن الزوجة مع أهل الزوج

ـ تخفيف عبء المصاريف عن الزوجين

ـ مساعدة الزوجين في رعاية أطفالهما

ـ توفير مساحة أوسع للأمان في كنف العائلة

ـ اكتساب الأولاد بعضا من حكمة الأجداد

ـ توفير الأمن والتعويض النفسي للزوجة حال غياب الزوج

ـ توفير أجواء اجتماعية للزوجين وأبنائهما

ـ صمام أمان لعدم إقدام الزوج على العنف الأسري