بعد ظهور وثائق جديدة في القضية، تراجعت المحكمة الإدارية بالمدينة المنورة أواخر الشهر الماضي عن حكم صدر من قبل الدائرة الثالثة لصالح هيئة تطوير المدينة المنورة في الدعوى المقامة ضدها من مستأجري المحلات في الأسواق المطلة على الساحة الجنوبية للمسجد النبوي ومن فرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف. وكان الحكم يقضي برد دعوى المستأجرين الذين طالبوا بنقض قرارات الهيئة بإخلاء المحال التجارية.
وجاء الحكم الصادر من المحكمة الإدارية رقم 259/ 3/ 22 لعام 1432 وتاريخ 26/ 11/ 1432 بمنع هيئة تطوير المدينة المنورة من التصرف بمنافع الأسواق وعدم التدخل بها لعدم أحقيتها بذلك، كما جاء الحكم بعدم أحقية مجموعة بن لادن بالتصرف في المشروع بعد إثبات تنازل مجموعة بن لادن لأوقاف المسجد النبوي عن باقي مدة تملكه للتصرف بالمشروع. ووصف الحكم الإخلاء بالاعتداء على حقوق الآخرين.
وكانت مجموعة بن لادن المشغل السابق للأسواق قطعت الخدمات "المياه والكهرباء" عن مجمع الأسواق والفنادق ومواقف السيارات، بناء على توجيه أمير منطقة المدينة المنورة، رئيس هيئة التطوير بعد الحكم السابق الذي كسبته الهيئة ضد المستأجرين للعمل على تهيئة تلك المواقع للاستفادة منها وانطلاق مشروع (أسواق الحرم) للاستفادة منها لصالح خدمات المسجد النبوي.
وعلى الرغم من صدور الحكم القضائي بعدم أحقية الهيئة ومجموعة بن لادن المشغل السابق للمجمع التجاري بالتصرف بالمجمع التي تملك إدارة منافعه وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والتي دعت مجريات القضية أن تقوم المحكمة باعتبارها طرفا يلزم حضوره في جلسات المحكمة.
عقود سارية المفعول
وكانت "الوطن" نشرت تقريرا عن 30 مواطنا من المستأجرين، أقاموا دعوى ضد هيئة تطوير منطقة المدينة المنورة، يطالبون فيها بإنصافهم من القرارات التي أصدرتها أمانة المدينة المنورة، وهيئة تطوير المدينة المنورة، بإخلاء المحلات التجارية البالغ عددها 400 محل، على الرغم من وجود عقود إيجار سارية المفعول حتى عام 1439.
واستأنفت المحكمة الإدارية الحكم بناء على الدعوى المقامة من عبدالعزيز بن سليم بن خلف العوفي، وفرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ضد هيئة تطوير المدينة المنورة بالطعن في الحكم السابق رقم 1773/ 5/ ق لعام 1432 والمطالبة بإلغاء إجراءات قرار هيئة التطوير، القاضي بإخلاء المحال التجارية للسوق؛ بحجة أنه ليس من حق الهيئة التدخل في ذلك بسبب أن المحلات تم تأجيرها وترخيصها من أمانة المدينة المنورة، وأن هيئة تطوير المدينة ليست لها صفة شرعية ووقفية في المباني والمحلات، ولا تملك الصفة الشرعية والنظامية التي تخولها بإخراجهم من المحلات.
وقال المستثمرون: إن أمانة المدينة المنورة تتجاهل الحكم الشرعي الصادر من المحاكم الإدارية بالمدينة المنورة برقم 259/3/22 والقاضي بإلغاء قرار هيئة تطوير منطقة المدينة المنورة وإخلاء مجمع أسواق وقف الحرم النبوي الشريف وما ترتب عليه من آثار.
أسباب الحكم
وكانت المحكمة قد طلبت نسخة من تنازل الشركة المشغلة للمحلات، كما طلبت من فرع وزارة الأوقاف بالمدينة إثبات وقفيتها للأسواق، وسؤالها عن صدور ما يعطي الحق لهيئة تطوير منطقة المدينة التصرف والانتفاع بمرافق أسواق الحرم بعد أن ثبت للمحكمة أن وزارة الأوقاف هي الجهة الوحيدة التي تملك حق التصرف بمنافع الأسواق محل الدعوى بعد تنازل المستثمر عن بقية المدة التي تملك فيها حق التصرف باشتراطها أن يكون ريع الأسواق لصالح المسجد النبوي.
وبنت المحكمة حكمها الجديد على أسباب من أهمها أن الجهة المدعى عليها "هيئة تطوير المدينة" لا تملك حق إصدار هذا القرار وليس لها أي سند نظامي أو شرعي يعطيها سلطة التوجيه والتنفيذ المباشر في فصل الخدمات عن الأسواق وإخلائها والتصرف بمرافق المجمع دون أن ترجع لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف وفرعها في المنطقة كونها هي الجهة المشرفة على وقف السوق وأرضه والمنشآت القائمة عليه، وهي من تملك إصدار أي قرارات واتخاذ الإجراءات فيه، وما قامت به هيئة تطوير المدينة من إدارة شؤون أوقاف المسجد النبوي خارج عن صلاحيتها.
كما أشارت إلى أن صك وقفية أسواق الحرم الواقع بمحاذاة الساحة الجنوبية للمسجد النبوي يعد وقفا للأنظمة القضائية بإثبات وإنهاء قضائي له الحجة القطعية ويجب العمل على وقفيته، وعدم التصرف به إلا بحكم قضائي، وإن كان لأي شخص أو جهة يدعي عدم صحة الإجراءات التي بني عليها صك وقفية الأسواق المتنازع عليها أو يعمل على مصلحة المستفيد من الوقف "المسجد النبوي" أن يسلك في ذلك الطرق القضائية المتبعة لدى المحاكم العامة بالطعن على تلك الإجراءات أمام القضاء المختص ممثلا في محكمتي الاستئناف والمحكمة العليا، وليس لأي سلطة سوى السلطة القضائية المختصة الحق في تعديل أو إلغاء ما تضمنه صك وقف أسواق الحرم من شروط وإثباتات أو تفسير لما اشتمل عليها من إجراءات وإخلاء لعقارات الوقف، وتحويل منافعها وتعديلها يتعارض مع ما يجب التزامه تجاه الإجراءات الشرعية من احترام وصيانة، وليس للهيئة ولا أي جهة إدارية تعارض جهة الأوقاف إلا التزام الطرق النظامية والشرعية التي كفلها النظام في الطعن على ما تضمنه صك وقفية أسواق الحرم.
تصرف مخالف للتعليمات
وذكرت المحكمة أن ما قامت به هيئة تطوير المدينة من إجراءات في سبيل إخلاء مجمع السوق دون الرجوع لجهة الأوقاف المختصة ليس له مبرر صحيح، ويناقض تعليمات وأوامر المقام السامي الصادرة تجاه المجمع، بل ويتناقض مع القرارات المتخذة من اللجنة التنفيذية لتطوير المنطقة المركزية التي صدرت بشأن هذه العقارات والقواعد النظامية التي توجب على جهة الإدارة في التقييد بالقرارات السابقة التي صدرت عنها في ذات الموضوع، وأن الأصل في مصلحة أوقاف الحرم الحفاظ على استقرارها ولا تجعل من قراراتها الجديدة المناقضة لقراراتها السابقة عاملا مهددا ومزعزعا لهذه المراكز المستقرة من خلال تناقض قراراتها بشأن أسواق الحرم.
إلغاء قرار إخلاء المستأجرين
وذكرت المحكمة أنها ومن خلال عدة جلسات حضرها أطراف الدعوى، قضت بعدم مشروعية إجراءات الإخلاء للسوق ومرافقه وحكمت بإلغاء قرار الهيئة في قطع الخدمات وإخلاء المستأجرين في المحلات التجارية بأسواق الحرم وما ترتب عليه من آثار عليهم، كما تضمن الحكم إعادة مرافق المجمع التجاري والمنازل الفندقية والمواقف والأنشطة المثبتة في صك الوقفية إلى حالتها الأولى، وتسليمها لجهة أوقاف المسجد النبوي للتصرف فيها، كما انتهت الدائرة في المحكمة الإدارية رد كافة ما دفع به ممثل هيئة تطوير المدينة لدى المحكمة ومن ذلك ما صدر منها (صدر من المحكمة الإدارية نفسها) بالحكم السابق الصادر عام 1432 وبرقم 122 القاضي بعدم قبول دعوى مجموعة من المستأجرين في أسواق الحرم ضد هيئة تطوير المدينة.
وطالب التجار محمد طه صقر، وإبراهيم عاتق الترجمي، ومحمد بن عبدالعال الترجمي، وفاطمة بنت سالم الترجمي، وأحلام بنت أحمد العمري من الجهات العليا إلزام هيئة تطوير المدينة بالالتزام بما جاء في الحكم، وتعويضهم عما تكبدوه من خسائر مالية بلغت ملايين الريالات.
ورصدت "الوطن" أمس السوق بعد إخلاء كافة المحلات التجارية، وإغلاق الكثير منها بالخرسانة في حين وضعت هيئة التطوير لوحة كتبت عليها "المشروع لتهيئة المباني لصالح المسجد النبوي وما يحتاجه من خدمات". كما رصدت استمرارية العمل في الموقع على الرغم من صدور الحكم.