فرقة الروك الإنجليزية (البيتلز) من أشهر الفرق الغنائية الغربية في القرن العشرين. نالت أعمالها رواجًا كبيرًا في الولايات المتحدة وكثير من دول أوروبا. بل إن أغانيها الصاخبة جاوزت الثقافة الغربية لتكسب ملايين المعجبين حول العالم. لم تكن فرقة البيتلز بأفرادها الأربعة (جون لينون وبول مكارثي وجورج هاريسون ورينغو ستار) ذات اهتمام فني محض. فقد أثارت الاهتمامات الدينية للفرقة الجدل في المجتمع الغربي. فأعضاء الفرقة، وإن نشأوا نشأة مسيحية، إما مرتبطين بالبروتستانتية أو الكاثوليكية الرومانية في طفولتهم، لكنهم تخلوا عن تربيتهم الدينية، وزاحمت عقائد دينية تكوين المسيحية في شخصياتهم.

كما ذكرنا في مقالات سابقة، أوروبا لم تكن قارة مسيحية بالكامل، من الناحية الثقافية والدينية، فهناك موروثات دينية ذات أصول يونانية ناصبت الكنيسة العداء، ونافستها على تقاسم مراكز النفوذ والأتباع والجماهير منذ قرون طويلة حتى العصر الأوروبي الحديث، الذي يفترض أنه تحرر من أغلال الموروثات والأساطير القديمة. فأعضاء فرقة البيتلز وإن كانوا ذوي نشأة مسيحية، أصبحوا مناهضين تمامًا للمسيح والمسيحية في مرحلة البلوغ. ولا ننسى التصريح التلفزيوني الشهير لأحد أعضاء الفرقة الذي قال فيه: إن فرقة البيتلز أكثر شعبية من يسوع (Beatles More Popular Than Jesus). ولاقى هذا التصريح كثيرًا من ردود الفعل الغاضبة في المجتمع الأمريكي.

الموقف السلبي لفرقة البيتلز تجاه المسيحية يمكن اعتباره شكلًا من أشكال التعصب العقائدي، فهناك موروثات دينية مناهضة للتراث المسيحي في العالم الغربي. هذه العقائد ذات أصل فلسفي، والتراث الفلسفي يمكن اعتباره ذا أصل هندوسي، نظرًا للتشابه الكبير بين أفكار الفلاسفة والديانة الهندوسية.


وسع أعضاء الفرقة اهتمامهم بالثقافة الهندية، وبالهندوسية على وجه التحديد، وسافروا إلى شمال الهند لدراسة التأمل الديني والمشاركة في دورة تدريبية في رحلة أقرب إلى «الحج الديني». ويبدو أثر الثقافة الهندية في الفرقة الغنائية جليًا حين يصف جورج هاريسون نفسه بأنه (مسيحي هندوسي)، وحتى في بعض أغانيهم ذات الإلهام الهندوسي.

تأثر فرقة البيتلز بالثقافة الهندية، وبأسلوب التأمل الهندوسي لفهم حقيقة العالم، لا يمكن نسبته لمجرد تأثر بشخصية هندية عابرة أو بمفاهيم وأفكار ذات طابع إنساني أو قراءة كتاب عن التناسخ يوزعه شخص متدين على المارة. المسألة أكثر تعقيدًا وذات تراكمات تاريخية بعيدة المدى. فلسفة أوروبا في واقع الأمر نتيجة تاريخية للديانة الهندوسية، وبالتالي علينا قراءة الثقافة الغربية ممثلة في الفلسفة الأوروبية ضمن سياقاتها الدينية التي لا يمكن لها تجاهل تأثير الهندوسية، سواء في فلسفة اليونان القديمة أو فلسفة أوروبا الحديثة. والأثر الأكبر يمكن تحديده ضمن إطار عقيدتي الحلول ووحدة الوجود. فأفراد الفرقة كانوا متأثرين ضمنيًا بوحدة الوجود. ففي أحد المؤتمرات الصحفية يصف أحد أفراد الفرقة إيمانه بالله من خلال اقتباس ما قاله أحد الأساقفة: «ليس كرجل عجوز في السماء، أعتقد أن ما يسميه الناس، الله، هو شيء فينا جميعًا».

بهذه العبارة يمكن أن نتبين الأثر العميق للديانات الشرقية في المجتمعات الغربية، ففي رحلة فرقة البيتلز الغنائية إلى بلاد الهند، نجد الرغبة في البحث عن إجابات لأسئلة وجودية وعقدية، البحث عن حقيقة العالم وخالقه من خلال التعمق في العالم الغامض للأديان الشرقية والفلسفة والموسيقى الهندية. فالعقائد الدينية الموروثة كامنة في الثقافة الأوروبية وفي سلوك الأفراد، وبالتالي فإن قراءتنا للفلسفة يجب أن تراعي هذه المسألة كي لا تكون نظرتنا أحادية ومنقوصة.