عثمان العمير، الصحفي القدير الذي نحت مسارًا متميزًا في عالم الصحافة لعقود، يُعدُّ مثالًا للنجاح الباهر الذي يُشهد له الغالبية، تولى رئاسة أبرز الصحف العربية، مُحققًا تأثيرًا كبيرًا في عصره، وكان رائدًا في مجال الصحافة الإلكترونية العربية. التقى وتعامل مع كبار الشخصيات من ملوك ورؤساء ووزراء.
لكن هذا المقال لا يتناول إنجازات العمير، بل يسلط الضوء على صفة نادرة بدأت تفتقر إليها الأجيال الجديدة؛ إذ لم تغير النجاحات جوهر عثمان العمير أو شخصيته أو تواضعه. لا يزال يظهر لنا عثمان العمير كشخصية استثنائية. رغم أنه صحفي بارع ومؤثر ولكن ما يميزه بشكل لافت هو رقي أخلاقه. قد يكون هذا أمرًا نادرًا في الأجيال الجديدة، حيث يتغير الكثيرون مع تحقيق النجاحات وتولي المناصب.
عثمان العمير لم يفقد أخلاقه العالية، وما زال يتعامل مع الناس بكل احترام وتواضع. وهذا منوال جيل الرواد، فلقد عرفت أستاذنا الزميل، الدكتور عثمان الصيني، على مدى سنوات عديدة واشتهر بسمعته الطيبة، ويحظى باحترام الجميع بفضل رقي أخلاقه وتواضعه، ويُذكر أن الراحل أبو عبدالله تركي السديري كان يتميز بالصفات نفسها، وكذلك عبدالرحمن الراشد وغيرهم. هؤلاء الأشخاص يُظهرون لنا أن النجاح لا يجب أن يغير من أخلاقنا وقيمنا.
قد يكون الجيل الجديد مغرورًا بالكراسي والفلاشات الفجائية، لكن يجب أن يتذكر أن الرقي والتواضع هما مفتاح النجاح الحقيقي. وهذا يثير التساؤل حول سبب امتلاك جيل الرواد في الصحافة لهذه الصفات النبيلة بينما يبدو أن بعض أفراد الجيل الحالي قد أهملوها. هل يمكن أن يكون السبب في التغيرات الثقافية أو الاجتماعية التي شهدتها المهنة؟ أم أن هناك عوامل أخرى تلعب دورًا في هذا الاختلاف؟
يُلاحظ أن بعض أفراد الجيل الجديد لم يتمكنوا من تحقيق حتى جزء من مستوى الإنجازات التي حققها الرواد الأوائل، لكن المثير للانتباه أن هؤلاء الأفراد قد يظهرون تغيرًا ملحوظًا في سلوكهم ومواقفهم عند توليهم المناصب الأولى، حتى أن أقرانهم وأصدقاءهم قد يُعلقون بمفاجأة، «معلوماتك قديمة خوينا تغير!»، مما يُثير الدهشة ويدفع المرء إلى التساؤل عن سرعة هذا التحول «ما يمدي؟!».
ماذا يحدث للجيل الجديد؟ خصوصًا توقعنا أنهم أقل رسمية وأكثر وصولًا وتواضعًا. أهي نشوة الكراسي أو سطوع الفلاشات الفجائي قد يعمي عن الرؤية لبعض الوقت؟!
في زحمة الحياة وتقلباتها، يظل الإنسان أو الصديق الثابت – سمه ما شئت- كالجبل الراسخ، لا تهزه رياح المناصب ولا تغيره ألقاب السلطة. هو ذلك الإنسان الذي يحتفظ بجوهره وقيمه، مهما ارتقى في سلم النجاح. يظل متواضعًا، يظل مخلصًا لأصوله ومبادئه التي نشأ عليها. يعامل الجميع بإنصاف وعدل، ولا يسمح للمنصب أن يغير من إنسانيته أو يفقده الشعور بالتعاطف مع الآخرين.
على النقيض، يوجد الشخص أو الصديق -سمه ما شئت- الذي يتغير بسرعة البرق، بمجرد أن يتقلد منصبًا، فجأة تصبح الألقاب أهم من العلاقات، وتصبح السلطة أغلى من الصداقة ويبدأ بالنظر إلى الأصدقاء القدامى كأنهم درجات سابقة يجب تجاوزها ويتغير أسلوب حديثه، وتتغير أولوياته، وقد يصبح أكثر بُعدًا وأقل تواصلًا. ينسى أن الأصدقاء الحقيقيين هم من يقفون بجانبه في السراء والضراء، وليس فقط عندما يكون في قمة السلطة.
في النهاية الحياة تختبرنا جميعًا بطرق مختلفة، والمناصب هي إحدى هذه الاختبارات.
الإنسان أو الصديق الحقيقي هو من يظل ثابتًا ومخلصًا، سواء كان في قاع السلم أو على قمته. خصوصًا أن الصداقات بعد المنصب ليست مضمونة وهناك مقولة شهيرة تقول
«إن الصداقات التي يتم الحصول عليها بالمال، وليس بالعظمة أو نبل العقل، يمكن بالفعل اكتسابها، لكنها غير مضمونة».
أتطلع إلى أن يتبنى الجيل الجديد مبادئ الصدق والأصالة، متجنبين السلوك الانتهازي وتقييم الآخرين بناءً على المنافع الآنية. فالمناصب والشهرة ليست سوى أشياء زائلة، وسيأتي يوم يدرك فيه الفرد أنه كان يعيش للحظة دون التفكير في مستقبله. يُذكرنا دوايت د. أيزنهاور بحكمته قائلًا: «الانتهازي يفكر بنفسه واليوم، ورجل الدولة يفكر بنحن وفي المستقبل». هذه الكلمات تُعد دعوة لنا جميعًا للنظر إلى ما هو أبعد من مصالحنا الشخصية الضيقة، والعمل من أجل مستقبل أفضل للجميع.