تمثل أزمة اليورو أكبر تهديد للاقتصاد العالمي منذ انهيار بنك الإخوة ليهمان (Lehman Brothers) عام 2008، وقد تؤدي هذه الأزمة إلى إلحاق ضرر أكبر وأكثر استدامة. فقد تأخذ الأزمة في الحقيقة الاقتصاد العالمي إلى كساد اقتصادي تم تجنبه بصعوبة عام 2009. لكن خطورة الموقف لا يدركها بشكل جيد أولئك البعيدون عن مركز العاصفة، بما في ذلك اختصاصيون في الولايات المتحدة ومناطق أخرى من العالم. وقد نشرت مؤسسة "كارنيجي" للسلام الدولي في نوفمبر تقريراً كتبه يوري دادوش، ذكر فيه خمسة مفاهيم خاطئة حول أزمة اليورو لدى صانعي السياسة وعامة الناس على حد سواء.

أولاً، الأمـر يتعلق باليونان فقط: مـع أن هنـاك أزمة متكـررة في اليونان تدعو للتشاؤم، إلا أن اليونـان في نهايـة الأمر ليست سـوى اقتصاد صغير تستطيع منطقة اليورو أن تتعامل مع ديونه، التي بلغت 370 مليار يورو، من خـلال تسهيـلات الاستقـرار المالي في أوروبا

European Financial Stability Facility EFSF الاقتصاد الإيطالي أكبر بكثير بحيث إن المشكلة مختلفة نوعياً عن مشكلة اليونان. ديون إيطاليا وحدها –حتى على افتراض أنها لا تجر معها إسبانيا في نفس المشكلة- بلغت 1.92 تريليون يورو، وهذا يبلغ ضعف حجم كامل قطاع الرهن العقاري في ذروته. إذا تدهورت إيطاليا، فإن إسبانيا ستتبعها على الأرجح، وستكون هناك ضغوط كبيرة على فرنسا التي بدأت بالفعل برنامج تقشف للحفاظ على تصنيفها ضمن قائمة AAA.

ثانياً، إنها مشكلة مالية: مشكلة الدين المالي والسيادي في المحيط الأوروبي لا تمثل سوى الأعراض لداء أكثر عمقاً وهي خسارة التنافسية في قلب أوروبا وباقي العالم. تدهور التنافسية، الذي يخنق الاستثمار والنمو، هو انعكاس مباشر للعجز عن تخفيض القيمة ومسايرة تصاعد الإنتاجية وزيادات الأجور المعتدلة في ألمانيا. وخسارة التنافسية يمكن عكسها، لكن ذلك لا يتم إلا على حساب تراجع بعيد المدى في الأجور والطلب، وهو ما سيتطلب بدوره تخفيض النفقات المالية. لهذا ستكون الأزمة موجودة على مدى سنوات طويلة قادمة.

ثالثاً، أوروبا غنية بما فيه الكفاية وتستطيع أن تعالج المشكلة وحدها: هذا اعتقاد خاطئ لسببين. السبب الأول هو أنه ليس هناك ما يسمى أوروبا المتلاحمة، مع أن وجودها يناسب القادة الأوروبيين أن يقولوا إنها موجودة. أوروبا – وهذا ينطبق أيضاً على الدول السبع عشرة التي تشكل الاتحاد النقدي الأوروبي- تبقى مزيجاً فضفاضاً من الدول المستقلة ذات السيادة. السبب الثاني، الديون التي تسبب المشاكل في المحيط الأوروبي كبيرة جداً بحيث يصعب على القلب الأوروبي المتعافي التعامل معها. حتى لو تم تعريف القلب الأوروبي المتعافي بحيث يضم فرنسا، فإن إجمالي ديون دول المحيط الأوروبي يمثل 56% من إجمالي الناتج المحلي لدول القلب الأوروبي. وبعكس ذلك، فإن قطاع الرهن العقاري كان يمثل حوالي 7-10% من إجمالي الناتج المحلي الأميركي.

رابعاً، البنك المركزي الأوروبي يستطيع أن يحل الأزمة بين ليلة وضحاها: مشتريات البنك المركزي الأوروبي من السندات الحكومية هي التي تحول حالياً بين منطقة اليورو وبين الكارثة. المراقبون المحترمون، مثل مارتن وولف من صحيفة " فاينانشال تايمز" قالوا إن الضمانات الكاملة لجميع سندات الأعضاء سوف تنهي الأزمة. لكن تحويل مشتريات الطوارئ للبنك المركزي الأوروبي إلى ترتيبات دائمة هو طريق أوروبا إلى الهلاك، ليس فقط لأنها لا تتعامل مع النمو الكامن ومشكلة التنافسية، بل إنها تزيل الحوافز للسياسيين للتعامل معها ومع ديونهم المرتفعة.

خامساً، الولايات المتحدة معزولة عن الأزمة: المغالطة هي في التركيز على الروابط المباشرة. لكن أساس الركود الاقتصادي الكلي والأزمات المالية يكمُن في الروابط النظمية، وليس في الروابط المباشرة. أعداد قليلة من عشرات ملايين الأميركيين والأوروبيين الذين فقدوا أعمالهم خلال الركود الكبير كان لديهم ضمانات أميركية مدعومة بالرهن. النقطة هي أن الولايات المتحدة مكشوفة كثيراً لأن الاتحاد الأوروبي هو أكبر اقتصاد في العالم وفيه أكبر قطاع بنكي. وتلعب البنوك دور وساطة أكثر أهمية في أوروبا مما تفعله في الولايات المتحدة.

هناك في الواقع خيط مشترك في المفاهيم الخمسة – الإنكار: رغبة جامحة في تقليص المشكلة خوفاً من مواجهة تداعياتها. وهناك نتيجة واحدة: على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة للأسوأ، وعليها أن تعمل مع الصين وباقي الدول في مجموعة (G20) لمساعدة أوروبا على بناء الحائط الناري الضروري.