أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة صالح آل طالب المسلمين بتقوى الله عز وجل.
وقال: في هذه الحياة نظم ومناهج وأفكار وبنايات سامقة تراها كأعالي الأشجار وحين تهب الرياح العواصف وتثور الزلازل تنهار الصور الزائفة وتسقط البنايات المشيدة وينكشف عيبها وخللها والمتأمل اليوم يرى تسارعا في انهيارات متعددة في المال والاقتصاد والحكم والسياسة والأفكار والمناهج ويرى حيرة كبرى لأرباب المال ودهاقنة السياسات ثم يلتفت فيرى بناء الإسلام ثابتا مستقرا، أصله ثابت وفرعه في السماء، حين تتأمل مبادئ الإسلام في كل جوانبه ترى قيماً راسخة البنيان عصية على الذوبان في العقيدة والفكر والعبادة والتشريع والأخلاق والسلوك صالحة لكل زمان ومكان وهو تأمل يجب على المسلم أن يتذكر فيه فضل الله عليه ويستشعر قيمة دينه وإنعام الله به عليه.
وأضاف: لم ينعم الله عليك نعمة هي أوفى ولا آمن ولا أسبغ من كونك مسلما لله مع المسلمين لاتسجد لشجر أو حجر ولا تذل لحيوان أو جماد أو بشر ولا تعبد غير الله فاهنأ بإسلامك وانعم بإيمانك فقد هداك الله يوم ظل غيرك وأرشدك حين تاه سواك وأعد التأمل والمراجعة مستمسكا بأساس دينك وقاعدة إيمانك عارفا فضل إسلامك وعاقبة توحيدك مستبشرا بقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه (ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله عن النار) ولهذا التوحيد معالم رسمها النبي صلى الله عليه وسلم وأوضح أعلامها ولهذه البشرى شواهد بينها وأرسى أركانها حري بالمسلم أن يستمسك بها وأن يحذر التفريط حتى لايحبط عمله أو يظل سعيه فكم من تائه وهو لايدري وكم من ضال يظن أنه مهتد.
وأوضح أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل أصول الإيمان التوحيد ثم الصلاة ثم الزكاة ثم حفظ الحقوق ومبدأ العدل المطلق لافتا النظر إلى أن الله قد كرم الإنسان وشرع له ما يربو به عن الخرافات أو التعلق بالأوهام وجعله حرا لايتعلق إلا بالله خالقه وجعل التعلق بغير الله ينافي التوحيد اعتقادا وعملا وأن من معالم هذا التوحيد الاستعاذة والاستجارة بالله وحده دون سواه ومن محاسن الدين القويم أن المسلم لايدعو ولا يرجو إلا الله فليس بين المسلم وبين ربه وسائط بل إن الله سبحانه وتعالى سمى دعاء غيره شركا قال سبحانه (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لايسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير).
وأشار إلى أن مما أفسد الدين وحرف التدين الغلو والتنطع والمبالغة بغير علم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) ومن الغلو، الغلو في تعظيم الأولياء والصالحين أو تعظيم آثارهم وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال (لاتطروني كما أطرت النصارى بن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله).
وتابع: دين الإسلام كله حسن وما نهى الله عن شئ إلا لضرره على الأفراد والمجتمعات مما يبطل الإيمان ويوبق الإنسان كالسحر وإتيان الكهان وكم تعلق بهذه الأوهام أناس أضاعوا دينهم ودنياهم وانحدرت عقولهم إلى درك من الخرافات جعلوها دينا ومنهجا فالحمد لله الذي كرمنا بالإسلام ومن معالم الدين الحسان الارتقاء بالمحبة والعواطف والولاء والتناصر في وقت سبلت بأهل الدنيا مبادئهم فأصبحت المحبة والموالاة لأجل الدنيا ومصالحها.
وشدد فضيلته على أن الدين دين الله والشرع شرعه والواجب على من بلغه كلام الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتبع الحق ولا يترك القرآن والسنة لقول أحد مهما كان.
وبين فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام أن توحيد الاعتقاد يستتبع توحيد العمل وأن على المسلم أن يحب ربه ويخلص له ويعول عليه وأن تكون مشاعر نفسه وخلجات قلبه متجهة إليه لاتعدوه إلى ما سواه ، فالمسلم لايدعو إلا الله ولايعبد غيره ولا يطيع إلا أمره ولا ينفذ إلا حكمه يحل ما أحل ويحرم ماحرم ويقف عند ما حد والمسلم منتصب القامة أمام كل حي فلا يحني ظهره إلا لله ومعرفته لعظمة الخالق الأحد ولهيمنة الله التامة على الناس والكون تجعل مشاعر الرغبة والرهبة مستقيمة في نفسه فلا تنحرف ولا تضطرب ومن أجل ذلك كان امتلاء القلب بعقيدة التوحيد أساسا لخلال القوة والعزة لا ينفك عنها مؤمن صادق.
وأفاد أنه في كل ختام على المسلم أن يستحضر أن معيار القبول هو إخلاص العامل لله ومتابعته رسول الله وفضل الله واسع وأن من علامة قبول الحسنة الحسنة بعدها وعلامة الحج المبرور أن تعود خيرا مما كنت ومن طهرت صحيفة عمله بالغفران فليحذر العود إلى دنس الآثام فالنكثة أشد من الجرح وليكن من الخير في ازدياد فإن ذلك من علامة القبول.
وفي المدينة المنورة حث إمام وخطيب المسجد النبوي حسين القاسم المسلمين على تقوى الله عز وجل حق التقوى والاستمساك من الإسلام بالعروة الوثقى.
وقال فضيلته: إن الله تفضل على خلقه بتنوع العبادات منها ماهو باطن في القلب ومنها ماهو ظاهر على الجوارح وأركان الإسلام والإيمان مدارها على ذلك، وقد عاد الحجيج من بيت الله الحرام بعد أداء أطول عبادة بدنيه وفي الحج تظهر آيات للخلق على صدق الرسل فإبراهيم علية السلام يدعو ربه (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم) فوفد الحجيج من كل فج عميق وأدوا حجهم وفي كل عام يظهر أثر دعوة الخليل فيستجيب المسلمون لدعوته والوفاء من شيم الرجال ، ونبينا صلى الله عليه وسلم صبر على الأذى والكروب لتنعم أمته بالهداية ، قال لعائشة رضي الله عنها (يا عائشة لقد لقيت من قومك ما لقيت) والصحابة رضي الله عنهم هجروا الأوطان وتغربوا في البلدان لحمل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وتبليغها بعزم وأمانة ونشر الإسلام في الآفاق بالدعوة والقدوة، وواجب على المسلم أداء حقوق النبي صلى الله عليه وسلم لما قدمه لهذا الدين بمحبته عليه الصلاة والسلام والتأسي به ونشر دعوته والوفاء لصحابته رضي الله عنهم بمحبتهم والترضي عنهم والذب عنهم .
وبين القاسم أن من أدى فريضة الحج أو غيرها واجب عليه الحفاظ عليها من الرياء بها أو المباهاة أو المفاخرة ومن أدخل في عبادته رياء أو سمعة أو ابتغى مدح الناس له لم تقبل منه عبادته ولن يكون له منها سوى التعب والنصب قال عليه الصلاة والسلام (إن الله لايقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغى به وجهه) ومن أخلص لله تقبل الله عمله وضاعف أجره قال سبحانه (والله يضاعف لمن يشاء) قال ابن كثير ، أي بحسب إخلاصه في عمله والنعم تدوم وتزيد بالشكر ومن أدى عبادة وحمد الله عليها يسر الله له عبادة بعدها لينال ثوابها قال عز وجل (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) ولذا شرع قول الحمد لله 33 مرة دبر كل صلاة مفروضة لشكر الله على أداء تلك الصلاة.
وأوضح أن إمارة قبول العمل الصالح الحسنة بعده والمسلم إذا فرغ من عبادة أعقبها بعبادة أخرى قال سبحانه (فإذا فرغت فانصب) قال ابن الجوزي رحمه الله، أي فادأب في العمل، ولا تنقطع العبادة إلا بالموت، وإذا عمل المسلم عملا صالحا أخلص فيه لله وجب عليه حفظه بالحذر من الوقوع في الشرك إذ أنه يحبط الحسنات، وسؤال الله قبول العمل الصالح من صدق الإيمان، بنى إبراهيم عليه السلام الكعبة ودعا ربه (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) والثبات على الدين من عزائم الأمور ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (ثبت قلوبنا على دينك) ومن لبى في حجه بالتوحيد وكبره بالعيد وجب عليه الوفاء بوعده مع الله بأن لا يدعو سواه ولا يلجأ إلى غيره ولا يطوف بغير الكعبة ومن توجه إلى الله أعانه، وليس من شرط صحة الحج زيارة المدينة النبوية بل قصد مسجدها سنة رغب فيها النبي صلى الله عليه وسلم للحاج وغيره بالصلاة فيه فهو أحد المساجد الثلاثة التي لاتشد الرحال إلا إليها، وصلاة فيه عن ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، ومن وصل إلى المدينة وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فمن المشروع له زيارة مسجد قباء وتشرع له زيارة مقبرة البقيع وشهداء أحد للدعاء لهم وللعظة والعبرة بتذكر الآخرة، والميت لايملك لأحد نفعا ولا ضرا ولايتعلق به وإنما يدعى له بالمغفرة والرضوان ومن يدعى له لا يدعى مع الله.
وبين في ختام خطبته أن الموفق من اجتهد في طاعة ربه وحفظ عمله من البطلان وسار على هدي نبيه صلى الله عليه وسلم وحاسب نفسه في حياته وسارع إلى الخيرات وفاز بالباقيات الصالحات.