لكننا اذا دققنا النظر في الأول منهما، لوجدناه ثابتا وراسخا عبر مر العصور، بينما يختلف الامر في المعيار الآخر ،لاسيما في هذا العصر الذي انتشرت فيه (الفيروسات الفكرية).
كلنا يعلم ان وسائل الإعلام الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، قرَّبت البعيد مكانا، وابعدت القريب نسب،ا وذلك عن طريق الضخ الإعلامي المتواصل، الذي يبث الشبهات ويُبدِّل القناعات، مالم يتحصن الفرد بسلاح (الاستقلال الفكري) وما اندره من سلاح.
وبناء عليه فإنه لم يعد غريبا في هذا الزمن، أن نجد إنسانا يتبنى توجها فكرياً في الليل ويتراجع عنه في النهار، أو العكس! وهذا ما يفسر ظاهرة الأصوات النشاز التي خرجت ولا تزال عن ثوابت طائفتها وصفَّق لها جمهورها ،وفي النهاية لم تجد لها مقعدا مريحا هنا ولا قبولا هناك!
من هنا وجب على (هواة الفرز والتصنيف) اعادة النظر في الهوية الطائفية المعلنة للفرد، ومدى صلاحيتها للكشف عن واقعه الحقيقي، كونها باتت عنصراً متغيراً قياساً الى زمن مضى. فهذه (الفيروسات الفكرية) المنتشرة في الفضاء الإعلامي، وتطبيقات التواصل قادرة على العبث بانتماء الفرد لدينه الذي يؤمن به أو مذهبه الذي يتعصب له، أو خطه الفكري الذي يدافع عنه، لتصنع منه إنساناً ذي هويات متأرجحة، وإن تستر ظاهرياً بواحدة أو نشأ بيئياً بأخرى، لتبقى هوية النسب اصدق كشفاً من هوية المذهب.
ومن وسِعَهُ أن يصرف النظر عن هذه وتلك، وكَفَتْهُ (كُلُّكُم لِآدم)، (فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً) لأن استقرار الأوطان من أهم حاجات الانسان، وحساب الضمائر يوم تُبلى السرائر، والحمد لله رب العالمين.