رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن مأساة وفاجعة مؤلمة وخسارة كبيرة.

فرحمه الله كان شخصية فذة ذا نبل إنساني رفيع، وروح مرهفة، وبساطة لا تعرف التكلف. يبهرك بتواضعه وإنسانيته وعمقه، وينفرد بشخصية شعرية فلسفية - لم يستطع أحد أن يستوعبها - أحالته إلى شاعر ملهم..

( في صدري سراج حزين ومكسور


رغم المطر والريح شلته ابدربك

والله ما به غير لوعاتي قصور

وخوفي عليك الله ربي وربك

إلى متى ببني على صمتك جسور

لاحيرتني أسباب سلمك وحربك).

بدر باعتباره شاعراً غنائياً موهوباً يعتني بالمشاعر الخاصة والأساليب التعبيرية في بناء الصورة الفنية فجاء شعره ممتعاً ورشيقاً وانسيابياً وفنياً وصل إلى درجة أكبر من الكمال.

يقول الأديب غوركي (إن الأدب عين العالم التي ترى كل شيء عين ينفذ نظرها إلى أعمق وأدق خلجات حياة الروح البشرية)، هذا الوصف الدقيق ينطبق على بدر بن عبدالمحسن الذي نجد انعكاسه في الصورة الشعرية ومهارته في بناء مفردات القصيدة.

قالت قصيدك ليل سود معانيه

رويانة بالدمع وإمدادها دم

إلى متى يا شاعر الهم تخفيه

وإلى متى تحني ضلوعك على هم

قلت الشعر يوم إن لي راحة فيه

وحزين أنا إلى متى.. الله أعلم

قلت البكا صعب عليه وأنابيه

لاواهني اللي بكى وما تندم

لي عبرة يلعب بها الحزن والتيه

ولي صرخة واتعبت أبلقى لها فم.

كان بدر منبعاً للإلهام الشعري، خلق نماذج فنية مكتملة، فعندما نتأمله من خلال جدارته الإبداعية وخبرته الفنية ونزعته الإلهامية ونظراته السيكولوجية نلحظ إنتاجاً شعرياً متفرداً.

مانشدت الشمس عن حزن الغياب

علمتنا الشمس نرضى بالرحيل.

ذلك أن تربيته الوجدانية ورشاقة تعبيره خلقت له إمكانات فنية ومهارات إبداعية وحضوراً شعرياً.

فإذا كان الروائي الفرنسي فلوبير (يتحكم في قلمه كما يتحكم الجراح في مبضع الجراحة) فإن بدر بن عبدالمحسن يتحكم في كلماته بمهارة عالية فقد أوجد معايير للذوق الجمالي تساير مختلف الأذواق والأمزجة فالحياة في نظره تبدو أكثر جمالاً عندما تكتسي برداء الشعر.

(أقيم بجبال ولا أقيم في سفح

لو طعموا لحمي لعوج المخالب

يابنت مابه ذنب يصعب على الصفح

كود الهوان وعيش سحم الثعالب

الله خلقنا تلفح وجيهنا لفح

حر السمايم في عزيز المطالب)

يقول هاورز (إن الحياة لا تصبح حقيقة ذات دلالة إلا بالتجربة الجمالية فتجاربنا التي نحياها تبلغ درجات العمق... حين نخلق أعمالاً فنية، فالفن الشعري يجعل الحياة ممتعة).

(بين القلم وأصابعي والورق شوق

عشرين حول من كتبت القصايد

وصرت الليالي بين عاشق ومعشوق

وصرت الوصل بين حاضر وبايد

أنا النخيل وشعري ظلال وعذوق

وأنا السحاب اللي على الناس جايد)

كان بدر بن عبدالمحسن لديه شغف بالشعر، كان يحاول أن يكون خارج المألوف والتعبير عما يستعصي على الوصف أو شيء لا يمكن صياغته في قالب.

(الله يعلم إني حاولت

أسند على كف السما

وأناظر الشمس

أشرب عن عيونك ظما

أشرب ظما الشمس).

لقد أخرج الشعر الغنائي الحديث من المسالك الضيقة إلى الطريق العريض، فإمكاناته الإبداعية مثيرة ومذهلة.

( أنا سجين الحال مهما تسليت

وأنا الطليق وكل شي قضبن).

زرته قبل سنوات في منزله في حي السفارات في الرياض وتحدثنا طويلاً حول الشعر ومن ثم التقيته في مركز الملك فهد الثقافي، أثناء المحاضرة الأدبية التي ألقيتها عن الشاعر أحمد الناصر ضمن فعاليات ليالي الشعر النبطي والتي كانت تحت رعايته وقد أهديته حينها كتاب «مدن الشعر»، وكنت قد تناولت في الكتاب جزءاً من تجربته الشعرية وقلت له، إن هذه النسخه طبعة قديمة فقال لي: قديمك جديد يا عبدالله، ومن ثم التقيته مرة أخرى أثناء حضوري احتفاليات فعاليات سوق عكاظ وتدشين كتاب الخيال الممكن للأمير سلطان بن سلمان.

بدر بن عبدالمحسن لديه القدرة على خلق واقعه الفني بصورة مدهشه، سواء كان في الرياض أو باريس أو لوس أنجلوس أو جدة أو لندن أو سواء كان في الطوقي أو روضة التنهات أو شعيب الجافي أو روضة خريم أو الشوكي.

كتب عن الرياض مقاطع، يعتبرها النقاد من أروع ماكتب في وصف المدن:

( آه ما أرق الرياض..

في الليالي الوضح..

والعتيم الصبح..

لاح لي وجه الرياض).

التي تأتي في روعة قصيدة أليوت في وصف لندن.

بدر بوصفه شاعراً ملهماً يكتب الشعر الملحمي والرواية الشعرية التاريخية، والفن الدرامي والمسرحي، وقد شكلت أعماله الأدبية مرحلة جديدة في تطور القصة الشعرية والشكل الغنائي المسرحي ذا الطابع الملحمي.