ويأتي هذا الأمر الكريم امتدادًا للحملة المباركة التي تشنها حكومة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله على الفساد، لاجتثاثه من جذوره، بصفته المعوق الرئيس للتنمية، وللأخذ على أيدي الفاسدين، وأطرهم على الحق أطرًا، ومنعهم من أن يستفيدوا من مزايا المراتب الوظيفية التي كانوا يشغلونها، سواء كانت استفادة مادية أم معنوية، نظرًا لفداحة ما قاموا به، بوصفه خيانة للأمانة التي حُمِّلُوا إياها، فعجزوا أن يحملوها، وأساؤوا إليها، وخذلوها، ولم يوفوها حقها الذي أمله منهم ولي الأمر حين ولاهم إياها.
ومما يَلفت النظر في الأمر الملكي أنه حين جرد كل فاسد وخائن للأمانة من لقب (معالي)، مع سحب المزايا والأوسمة التي يتمتع بها من كان يشغل مرتبتي وزير والممتازة، ممن لم يراعوا الأمانة والمسؤولية، فإنه لم يَقْصُر ذلك على من أدينوا قضائيًا فحسب، وهم الفئة التي من المتعارف عليها حتى عند عامة الناس أنهم يجردون من كل ما كانوا يتمتعون به من مزايا تعود عليهم من الوظيفة التي كانوا يشغلونها، بل مد مضمونه ليشمل حتى من جرت التسوية معهم، فلم يُعرضوا من جراء ذلك على القضاء. وهي ضربة في الصميم لكل فاسد وخائن للأمانة، ولكل من يتعاطف معهم، أو يشد من أزرهم. ذلك أن من المفهوم أن المجتمع، بطبيعته، يزدري من أدينوا قضائيًا بجرائم الفساد والخيانة، ويُنزِلهم منازل متدنية، ويعاقبهم معنويًا، نظرًا لهيبة القضاء وقوة قبضته متمثلة في أحكامه التي تتضمن ــ في الغالب ــ تسبيبًا يوضح موقف المدانين وفداحة جرمهم؛ والعكس مع الذين نجوا من العرض على القضاء بموجب التسوية معهم، فالمجتمع ربما لا يراهم مدانين، وقد لا يزدريهم أو يعاقبهم معنويًا، كما يفعل مع المدانين قضائيًا، فجاء الأمر الملكي ليساوي من اقترف فسادًا، أو غشًا، أو تلاعبًا، وحصل على تسوية، بمن عُرِضَ على القضاء وأدين بفعله.
ولقد غدت الحملة السعودية الممنهجة على الفساد والفاسدين نموذجًا تشرئب إليه أعناق شعوب كثيرة في محيطنا العربي والإسلامي، لتخلصها من لوثات الفساد التي تُهلك الحرث والنسل، وتحفر أخاديد عميقة في الجسم الاقتصادي والتنموي يصعب مع توالي الأيام ردمها.
شكر الله لخادم الحرمين الشريفين ولسمو ولي عهده الأمين سعيهما، وأدام العزة والتمكين لبلادنا، وحماها من كل سوء.